الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال أبو عبد الله : وأما اقتياسهم ترك الصلاة على ترك سائر الفرائض ، فقد ذكرنا في صدر كتابنا هذا الدليل على تعظيم قدر الصلاة ، ومباينتها سائر الأعمال في الفضل ، وعظم القدر ما فيه كفاية ، ودليل على أنه لا يجوز أن تجعل قياسا على سائر الفرائض ، ومن قبل أن الصلاة لم تزل مفتاح شرائع دين الإسلام ، وعقده لا تزول عنه أبدا ، لم تزل مقرونة بالإيمان في دين الملائكة ، والأنبياء ، والخلق أجمعين ، لم يكن لله عز وجل دين بغيرها قط ، وسائر الفرائض ليس كذلك ، ليس على الملائكة زكاة ، ولا صيام ، ولا حج ، والصلاة لا تسقط عنهم ، ولا يزايل التوحيد ، فهي أعم الشرائع فرضا ، بها يفتتح الله ذكرها ، وبها يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلام الإيمان ، أينما ذكرها ، وهي أخص الفرائض لزوما للداخل في الإسلام ، وأشهرها منارا للدين ، ومعلما بين المسلمين ، والمشركين .

ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوما ، لم يغز عليهم حتى يصبح ، فإن سمع أذانا أمسك ، وإن لم يسمعه أغار عليهم .
[ ص: 1003 ]

وكذلك كان الصديق رضي الله عنه يفعل ، فهي أشهر معالم التوحيد منارا بين ملة الإسلام ، وملة الكفر ، لن يستحق دين الإسلام ، ومشاركة أهل الملة ، ومباينة ملة الكفر إلا بإقامتها ، فإن تركتها العامة ، انطمس منار الدين كله ، فلا يبقى للدين رسم ، ولا علم يعرف به ، فليس تعطيل ما لو تركته العامة ، شملهم تعطيل الدين حتى لا يبقى له رسم كترك ما لا يشمل العامة ، فالصلاة شاملة لهم ، يجمعهم إقامتها على مباينة ملة الكفر ، شهر الله تعالى أمرها بالنداء إليها ، والتجمع فيها على إقامتها ، وجعلها الشرع في الملة ، فمن تخلى منها ، فما حظه في الإسلام بلا مصداق ، ولا علم تحققه به ، وهو كما قال عمر رضي الله عنه : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة .

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : لا دين لمن لا صلاة له .

وكذلك الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها ، فقد كفر " . [ ص: 1004 ]

وأكثر من ذلك كله ما قد تلوناه من كتاب الله عز وجل في صدر كتابنا من إيعاده مضيع الصلاة ، وتاركها الوعيد الغليظ الذي لم يفعله بمضيع سائر الفرائض ، نحو قوله تعالى : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية