الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال أبو عبد الله : فإنما أمرهم بأن يتوبوا من ذنوب أحدثوها ، ليست بكفر ، ولا شرك ، ولو كانت الذنوب أخرجتهم من الإيمان لما سماهم الله مؤمنين ، ولكن سماهم مؤمنين ، وافترض عليهم [ ص: 539 ] التوبة من الذنوب ، فمن زعم أن من أتى كبيرة ، زال عنه اسم الإيمان ، لزمه أن يسقط عنه هذه الفرائض كلها ، لأن الله إنما أوجبها على المؤمنين باسم الإيمان ، وقال الله : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) ، ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ) ، ثم خص المحصنات من أهل الكتاب ، فأحل نكاحهن ، وقال : ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ، وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن ) ، فلو أن مسلمة سرقت ، أو شربت جرعة من خمر ، لكان اسم الإيمان قد زال عنها في قول هؤلاء ، فوجب تحريم نكاحها عليهم ، لأن الله إنما أباح نكاح المحصنات من المؤمنات ، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ، وليست هذه من المؤمنات ، ولا من أهل الكتاب . وقال الله عز وجل : ( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) .

فيسألون عن من لا يستطيع طولا لنكاح المحصنة ، وخاف العنت ، فأراد أن يتزوج أمة مسلمة تصوم ، وتصلي ، إلا أنها قد سرقت درهما أيحل له نكاحها ؟ فإن أباحوا نكاحها ، وليست عندهم بمؤمنة خرجوا من حكم الكتاب ، وإن حرموا نكاحها خرجوا من لسان الأمة إلا طائفة من الخوارج ، وقال الله عز وجل : [ ص: 540 ]

( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ) الآية .

فيسألون عن رجل أتى كبيرة ، فقتله رجل خطأ : أعليه عتق رقبة مؤمنة ، ودية مسلمة ؟ !فإن قالوا : نعم ، قيل لهم : فمن أين أوجبتم عليه ذلك ؟ وإنما أوجب الله عتق الرقبة ، والدية على من قتل مؤمنا ، وهذا المقتول ليس بمؤمن من عندكم ، ولا هو من أهل الكتاب الذين بيننا وبينهم ميثاق ، فلا ينبغي أن يكون على قاتله عندكم دية ، ولا عتق رقبة ، وقال الله : ( فتحرير رقبة مؤمنة ) ، فما تقولون في أمة ، أو عبد مسلم يصوم ، ويصلي ، ويؤدي الفرائض إلا أنها سرقت ، أو شربت خمرا ، هل يجوز عتقها عن من عليه عتق رقبة ؟ فإن أجازوا عتقها ، فقد أثبتوا لها اسم الإيمان ، وتركوا قولهم ، وإن قالوا : ليست بمؤمنة ، وعتقها جائز خالفوا حكم الكتاب ، وإن زعموا أن عتقها ليس بجائز خرجوا من لسان الأمة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأمة السوداء حين امتحنها بالشهادتين ، فأقرت : " أعتقها ، فإنها مؤمنة " ، ولم يقل : إنها مسلمة . [ ص: 541 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية