الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال أبو عبد الله : ويسألون عن نكاح الوثنيات ، والمجوسيات هل يحللن ؟ فمن قولهم إنهن لا يحللن .

ويقال لهم : فإن وثنية دخلت في الإسلام ، وتبرأت من دينها ، فأقرت بجميع ما جاء من عند الله عز وجل ، وصدقت به ، غير أنها قد كانت سرقت في شركها سرقة ، فلم تتب من السرقة ، غير أنها قد عرفت أن السرقة حرام ، وأقرت به ، هل تكون مؤمنة ؟ فإن قالوا : ليست بمؤمنة ، ولكنها مسلمة ، قيل : فهل يحل نكاحها للمسلمين ، وهي تصلي ، وتصوم ، وتؤدي الفرائض ، إلا أنها لم تتب من السرقة ، أو من شرب الخمر ؟ فإن أحلوا نكاحها ، خالفوا كتاب الله على مذهبهم ، لأنه قال : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) ، وهذه أسلمت ، ولم تؤمن في مذهبهم ، [ ص: 542 ] وإن حرموا نكاحها خرجوا من قول أهل العلم .

قال : ويقال لهم : ما تقولون في يهودية تمجست ، أيحل نكاحها ؟ فإن قالوا : لا ، لأنه قد زال عنها اسم أهل الكتاب .

قيل لهم : فإن شربت مؤمنة خمرا ، أليس قد خرجت من الإيمان ، كما خرجت اليهودية من أهل الكتاب حين تمجست ؟ !فإن قالوا : نعم ، قيل : فهل حرمت على زوجها ، أو هل يحل نكاحها ، إن لم يكن لها زوج ؟ !فإن قالوا : لا تحرم على زوجها ، ولا يحرم نكاحها على المؤمنين .

قيل لهم : وكيف ؟ وقد زال عن هذه اسم الإيمان كما زال عن تلك اسم أهل الكتاب ، وإنما أباح الله نكاح المحصنات من المؤمنات ، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ، وهذه ليست من واحد من هذين الصنفين ، ففي إجماع المسلمين على أن نكاح هذه حلال ، دليل على أن شاربة الخمر ، والسارقة مؤمنة في الحكم ، والاسم ، لا مؤمنة مستكملة الإيمان ، ومستحقة ثواب المؤمنين ، لأن الله أحل نكاح تلك على اسم الإيمان ، لا على اسم الإسلام ، وهذه حجة لازمة لهم ، لا سبيل لهم إلى الخروج منها إلا بالشغب ، والمكابرة ، أو الرجوع إلى الحق ، والله أعلم . [ ص: 543 ]

وقال الله عز وجل : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ، فأصلحوا بينهما ) إلى قوله : ( إنما المؤمنون إخوة ، فأصلحوا بين أخويكم ) ، فسماهم مؤمنين ، وقد اقتتلوا ، وأمر بالإصلاح بينهم ، وجعلهم إخوة في الدين .

وقد ولي علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتال أهل البغي ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ما روي ، وسماهم مؤمنين ، وحكم فيهم بأحكام المؤمنين ، وكذلك عمار بن ياسر .

التالي السابق


الخدمات العلمية