الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال أبو عبد الله : والذي عندنا أن المعاصي لا تزيل الإيمان ، ولا توجب الكفر ، ولكنها تنفي حقائق الإيمان الذي نعت الله تبارك وتعالى بها أهله في مواضع من كتابه ، منها قوله : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) إلى قوله : ( أولئك هم المؤمنون حقا ) .

وقوله : ( قد أفلح المؤمنون ) إلى قوله : ( أولئك هم الوارثون ) .

وقوله : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ، وأموالهم ) الآية .

قال : فهذه الآيات التي هي شرحت الإيمان ، وأبانت سبله التي وصف الله أهله بها ، ونفى عنه المعاصي التي نزهه الإيمان عنه ، فلما خالطت ذلك الإيمان المنعوت [ ص: 578 ] عند الله عز وجل ، وعند رسوله صلى الله عليه وسلم بالبعد من الأدناس ، والذنوب ، والمعاصي ، قيل لأهله : ليست هذه الخلال من الشرائط التي نعت الله بها المؤمنين ، ولا الأمارات التي يعرف بها أهلها ، فنفت عنهم حقيقته ، ولم يزائلهم اسمه .

فإن قيل : كيف يقال : ليس بمؤمن ، واسم الإيمان لازم له ؟ !قيل : هذا كلام العرب المستفيض عنها غير المستنكر عندها ، قد وجدناه في الآثار وغيرها .

من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للذي لم يتم صلاته : " ارجع فصل ، فإنك لم تصل " ، فأخبره أنه لم يصل ، وقد رآه يصليها ، ولكنه لما لم يكملها ، جعله غير مصل ، وكذلك [ ص: 579 ] حين سئل عن من صام الدهر ؟ فقال : " ما صام ، ولا أفطر " فجعله غير صائم ، وقد زاد على صيام الناس ، ولكنه لما أخطأ به موضعه جعله غير صائم .

قال : وكذلك كلام العرب ، ألا تراهم يقولون للصانع إذا كان غير حاذق بعمله ، ولا متقن له : فلان ليس بصانع ، وهم يعلمون أنه يعالج ذلك العلاج ، وأنه من أهله ، غير أنهم إنما نفوا عنه تجويد العمل ، لا الصناعة برمتها ، وكذلك يقول الرجل لصاحبه إذا عمل عملا غير إحكام ، أو تكلم بكلام لم يقم فيه بحجته : ما صنعت شيئا ، ولو سئلوا عنه : لكان تاركا للعمل ، أو الكلام ؟ ! لقالوا : لا ، ولكنه ترك موضع الإصابة فيه ، فكثر هذا في ألفاظهم حتى تكلموا بهذه [ ص: 580 ] المعاني فيما هو أعجب مما ذكرنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية