الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال أبو عبد الله : ويلزمكم أيضا ما ادعيتم أن كان ما أوجبه كفرا ، فكذلك ما أوجبته أضدادها إيمان ، لأن أضدادها معرفة بالله ، إنه الكريم ذو الإحسان ، والجود ، وإنه ليس كمثله شيء ، وإنه العادل الذي لا يجور ، ولا يظلم ، لأن ذلك ليس من صفاته ، وإنه متفضل على من أراد ، وعادل على من يستحق العدل ، لا ينصرف من عدل إلى جور أبدا ، فهذه الخلال الموجبة للحب لله ، فكذلك الحب لله إيمان به ، كما كان البغض كفرا عن الكفر الذي أوجبه ، لا فرقان بين ذلك .

فإن قالوا : فإن الحب لله ليس بإيمان ، والبغض له ليس بكفر ، ولكنهما خلقان عن الكفر ، أو الإيمان ، ولا يكون البغض إلا من كافر ، ولا يكون الحب إلا من مؤمن .

قيل لهم : فالبغض لله ليس بكفر في عينه ، ولكنه معصية ، لا كفر ، فمن أبغض الله لم يكفر لبغضه .

فإن قالوا : إنه لا يكون إلا من كافر .

قيل لهم : لم نسألكم عن ما أوجبه ، ولا ممن يكون ، ولكن سألناكم عن البغض : هل هو في عينه كفر ، أو غير كفر ؟ ! [ ص: 736 ] فإن قالوا : ليس هو في عينه كفرا .

قيل لهم : فكل ما ليس بكفر ، فجائز لله أن يبيحه ، لأن كل معصية سوى الكفر فجائز أن يبيحها الله في بعض الأزمنة ، ويحله ، ويتعبد خلقه بما يشاء .

فإن قالوا : ليست كل المعاصي يجوز فيها النسخ .

قيل لهم : مثل ماذا ؟ !فإن قالوا : كالظلم من القتل ، وغيره .

قيل لهم : قد أكذبكم الكتاب ، فقد علمتم أن الله عز وجل قد سمى إخوة يوسف عصاة ، خاطئين ، بتغييبهم يوسف عن أبيه ، وكاد ليوسف عن أخيه بما احتال بالصواع ، إذ دس الصواع في وعاء أخيه ليقطعه عنهم ، ويحبسه عن أبيه ، ويرجعوا إليه ، وليس هو معهم ، فقال تبارك وتعالى : ( كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله ) ، فأظهر عليه أنه قد سرق ، وفرق بينه وبين إخوته ، وحبسه عن أبيه ، فازداد لذلك حزنا ، ولم يسم الله يوسف بذلك عاصيا ، بل أخبر أنه ولي له كيد ذلك ، حق له بأن [ ص: 737 ] ضم أخاه ، وقد حرم الله علينا أن نقتل أنفسنا ، فقال : ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا ) فحرم علينا أن نقتل أنفسنا ، وأن يقتل بعضنا بعضا ، ثم أخبرنا أنه جعل توبة بني إسرائيل التي يغفر لهم بها ، ويقبلهم قتل بعضهم بعضا ، فقال : ( فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية