الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1065 - فكان الشافعي رضي الله عنه يوجب عليه قضاء جميع ذلك . [ ص: 981 ]

حكى البصريون عنه أنه قال : وإن غلب على عقله في ردته بمرض ، أو غيره ، قضى الصلاة في أيام غلبتها على عقله ، قال : كما يقضيها في أيام عقله ، قال : فإن قيل : فلم لم تجعله قياسا على المشرك يسلم ، فلا تأمره بإعادة صلاة ؟ قيل : فرق الله تعالى بينهما ، فقال عز وجل : ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) .

وأسلم رجال ، فلم يأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة ، ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين ، وحرم الله تعالى دماء أهل الكتاب ، ومنع أموالهم بإعطاء الجزية ، ولم يكن المرتد في هذه المعاني ، بل أحبط الله تعالى عمله بالردة ، وأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عليه القتل إن لم يتب بما تقدم له من حكم الإيمان ، وكان مال الكافر غير المعاهد مغنوما بحال ، ومال المرتد موقوفا ليغنم إن مات على الردة ، أو يكون على ملكه إن تاب ، ومال المعاهد له ، عاش أو مات ، فلم يجز إلا أن يقضي الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، كل ما كان يلزم مسلما ، لأنه كان عليه أن يفعل ، فلم تكن معصيته بالردة تخفف عنه فرضا كان عليه . [ ص: 982 ]

فإن قيل : وكيف يقضي ، وهو لو صلى في تلك الحال لم يقبل عمله ؟ قيل له : لأنه كان لو صلى في تلك الحال ، صلى على غير ما أمر به ، فكانت عليه الإعادة إذا أسلم ، ألا ترى أنه لو صلى قبل الوقت وهو مسلم ، أعاد ، والمرتد صلى قبل الوقت التي تكون الصلاة مكتوبة له فيه ، لأن الله تعالى قد أحبط عمله بالردة .

فإن قيل : ما أحبط من عمله ؟ قيل : أجر عمله ، لا أن عليه أن يعيد فرضا ، أداه من صلاة ، ولا صوم ، ولا غيره ، قبل أن يرتد ، لأنه أداه مسلما .

فإن قيل : وما يشبه هذا ؟ قيل : ألا ترى أنه لو أدى زكاة كانت عليه ، أو نذرا نذره لم يكن عليه إذا حبط أجره فيها أن يبطل ، فيكون كما لم يكن ، أولا ترى أنه لو أخذ منه حدا ، أو قصاصا ، ثم ارتد ، ثم أسلم ، لم يعد عليه ، وكل هذا فرض عليه ، ولو حبط بهذا المعنى فرض حبط كله . [ ص: 983 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية