الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 369 ] فصل وهل أمروا في الشريعة أن يتوارثوا بذلك فيه قولان: أحدهما: أنهم أمروا أن يتوارثوا بذلك فمنهم من كان يجعل لحليفه السدس من ماله ، ومنهم من كان يجعل له سهما غير ذلك ، فإن لم يكن له وارث فهو أحق بجميع ماله .

" أخبرنا عبد الوهاب الحافظ ، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون ، وأبو طاهر الباقلاوي ، قالا: أبنا ابن شاذان ، قال: أبنا أحمد بن كامل ، قال: أبنا محمد بن سعد العوفي ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثني عمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " والذين عقدت أيمانكم ، قال: كان الرجل في الجاهلية يلحق به الرجل ، فيكون تابعه ، فإذا مات الرجل صار لأهله وأقاربه الميراث ، وبقي تابعه ليس له شيء ، فأنزل الله تعالى: والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ، وكان يعطي من ميراثه ، فأنزل الله تعالى بعد ذلك ، وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله .

قلت: وهذا القول أعني: نسخ الآية بهذه الآية قول جمهور العلماء منهم: الثوري ، والأوزاعي ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، [ ص: 370 ] وقال أبو حنيفة : هذا الحكم ليس بمنسوخ ، غير أنه جعل ذوي الأرحام أولى من موالي المعاقدة ، فإذا فقد ذوي الأرحام ورثوا ، وكانوا أحق به من بيت المال .

والثاني: أنهم لم يؤمروا بالتوارث بذلك ، بل أمروا بالتناصر ، وهذا حكم باق لم ينسخ ، وقد قال عليه السلام: " لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة " وأراد بذلك النصرة والعون وأراد بقوله: " لا حلف في الإسلام " أن الإسلام قد استغنى عن ذلك ، بما أوجب الله تعالى على المسلمين بعضهم لبعض من التناصر ، وهذا قول جماعة منهم سعيد بن جبير ، وقد روي عن مجاهد أنهم ينصرونهم ويعقلون عنهم .

" أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله ، قال: أبنا ابن بشران ، قال: أبنا إسحاق بن أحمد ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا وكيع ، قال: أبنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد " [ ص: 371 ] والذين عقدت أيمانكم ، قال: هم الحلفاء فآتوهم نصيبهم من العقل والمشورة والنصرة ، ولا ميراث والقول الثاني: أن المراد بالمعاقدة: المؤاخاة التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه .

" أخبرنا ابن ناصر ، قال: أبنا ابن أيوب ، قال: أبنا ابن شاذان ، قال: أبنا أبو بكر النجاد ، قال: أبنا أبو داود السجستاني ، قال: أبنا هارون بن عبد الله ، قال: أبنا أبو أسامة ، قال: حدثني إدريس بن يزيد ، قال: أبنا طلحة بن مصرف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: " كان المهاجرون حين قدموا المدينة يورثون الأنصار دون ذوي رحمهم للأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، فلما نزلت: ولكل جعلنا موالي نسخت " فآتوهم نصيبهم من النصر والنصيحة والرفادة .

ويوصي لهم وقد ذهب الميراث ، وروى أصبغ ، عن ابن زيد : والذين عقدت أيمانكم ، قال: الذين عاقد بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فآتوهم نصيبهم إذا لم يأت ذو رحم يحول بينهم .

[ ص: 372 ] قال: وهذا لا يكون اليوم ، إنما كان هذا في نفر آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم انقطع ذلك ولا يكون هذا لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم .

القول الثالث: أنها نزلت في الذين كانوا يتبنون أبناء غيرهم في الجاهلية ، فأمروا أن يوصوا لهم عند الموت توصية ، ورد الميراث إلى الرحم والعصبة ، رواه الزهري عن ابن المسيب .

ذكر الآية الخامسة عشرة: قوله تعالى: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ، قال المفسرون: هذه الآية اقتضت إباحة السكر في غير أوقات الصلاة ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: فاجتنبوه .

[ ص: 373 ] " أخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش ، قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، قال: أبنا محمد إسماعيل بن العباس ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: أبنا محمد بن قهزاد ، قال: حدثني علي بن الحسين بن واقد ، قال: حدثني أبي ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ، قال: نسختها إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه قال أبو بكر : وأبنا يعقوب بن سفيان ، قال: أبنا عبد الله بن صالح ، قال: أبنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ، قال: كانوا لا يشربونها عند الصلاة ، فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون حتى يذهب عنهم السكر ، فإذا صلوا الغداة شربوها ، فأنزل الله عز وجل: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام الآية ، فحرم الله الخمر

[ ص: 374 ] قال أبو بكر : وأبنا محمد بن سعد ، قال: حدثني أبي ، عن الحسين بن الحسن بن عطية ، عن أبيه ، عن عطية ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى قال: نسختها الآية التي في المائدة: فاجتنبوه قال أبو بكر : وأبنا يعقوب بن سفيان ، قال: أبنا عبد الله بن عثمان ، قال: أبنا عيسى بن عبيد ، قال: أبنا عبيد الله مولى عمر بن مسلم ، أن الضحاك بن مزاحم أخبره ، في قوله: " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ، قال: نسختها إنما الخمر والميسر والأنصاب الآية .

ذكر الآية السادسة عشرة: قوله تعالى: فأعرض عنهم وعظهم ، [ ص: 375 ] قال المفسرون: في هذه الآية تقديم وتأخير ، تقديره فعظهم ، فإن امتنعوا عن الإجابة فأعرض ، وهذا كان قبل الأمر بالقتال ، ثم نسخ ذلك بآية السيف .

ذكر الآية السابعة عشرة: قوله تعالى: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ، قال المفسرون: اختصم يهودي ومنافق ، وقيل: بل مؤمن ومنافق ، فأراد اليهودي ، وقيل: المؤمن أن تكون الحكومة بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم فأبى المنافق ، فنزل قوله تعالى: يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت إلى هذه الآية ، وكان معنى هذه الآية: ولو أن المنافقين جاءوك فاستغفروا من صنيعهم واستغفر لهم الرسول ، وقد زعم بعض منتحلي التفسير: [ ص: 376 ] أن هذه الآية نسخت بقوله: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم وهذا قول مرذول ، لأنه إنما قيل: فلن يغفر الله لهم لإصرارهم على النفاق ، فأما إذا جاءوا فاستغفروا واستغفر لهم الرسول ، فقد ارتفع الإصرار فلا وجه للنسخ " ذكر الآية الثامنة عشرة: قوله تعالى: خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا وهذه الآية تتضمن الأمر بأخذ الحذر ، والندب إلى أن يكونوا عصبا وقت نفيرهم ، ذوي أسلحة عند بروزهم إلى عدوهم ، ولا ينفروا منفردين لأن الثبات الجماعات المتفرقة ، [ ص: 377 ] وقد ذهب قوم: إلى أن هذه الآية منسوخة .

" أخبرنا ابن ناصر ، قال: أبنا علي بن أيوب ، قال: أبنا أبو علي بن شاذان ، قال: أبنا أبو بكر النجاد ، قال: أبنا أبو داود السجستاني ، قال: أبنا الحسن بن محمد ، قال: أبنا حجاج بن محمد ، قال: قال ابن جريج ، وعثمان بن عطاء ، عن عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " خذوا حذركم فانفروا ثبات ، وقال: انفروا خفافا وثقالا ، وقال: إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ، ثم نسخ هذه الآيات ، فقال: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الآية قلت: وهذه الرواية فيها مغمز ، وهذا المذهب لا يعمل عليه ، وأحوال المجاهدين تختلف ، والأمر في ذلك على حسب ما يراه الإمام ، [ ص: 378 ] وليس في هذه الآيات شيء منسوخ بل كلها محكمات ، وقد ذهب إلى ما قد ذهبت إليه أبو سليمان الدمشقي .

ذكر الآية التاسعة عشرة: قوله تعالى: ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا روى أبو صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال معناه: فما أرسلناك عليهم رقيبا تؤخذ بهم ، وقال السدي ، وابن قتيبة : حفيظا أي: محاسبا لهم ، وقد ذهب قوم ، منهم عبد الرحمن بن زيد إلى أن هذه الآية نزلت في بداية الأمر ، ثم نسخت بآية السيف وفيه بعد ، لأنه إذا كان تفسيرها ما ذكرنا فأي وجه للنسخ ؟ .

ذكر الآية العشرين: قوله تعالى: فأعرض عنهم وتوكل على الله ، [ ص: 379 ] قال المفسرون: معنى الكلام أعرض عن عقوبتهم ، ثم نسخ هذا الإعراض عنهم بآية السيف .

ذكر الآية الحادية والعشرين: قوله تعالى: فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ، قال المفسرون: معناه لا تكلف إلا المجاهدة بنفسك ، ولا تلزم فعل غيرك ، وهذا محكم ، وقد زعم بعض منتحلي التفسير أنه منسوخ بآية السيف ، فكأنه استشعر أن معنى الكلام لا تكلف أن تقاتل أحدا ، وليس كذلك ، إنما المعنى لا تكلف في الجهاد إلا فعل نفسك .

ذكر الآية الثانية والعشرين: قوله تعالى: إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ، [ ص: 380 ] قوله تعالى: يصلون : يدخلون في عهد بينكم وبينهم ميثاق والمعنى: ينتسبون بالعهد أو يصلون إلى قوم جاءوكم ، حصرت [ ص: 381 ] صدورهم أي: ضاقت عن قتالكم ، لموضع العهد الذي بينكم وبينهم ، فأمر المسلمون في هذه الآية بترك قتال من له معهم عهد ، أو ميثاق ، أو ما يتعلق بعهد ، ثم نسخ ذلك بآية السيف ، وبما أمروا به من نبذ العهد إلى أربابه في سورة براءة ، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس ، وقتادة .

" أخبرنا ابن ناصر ، قال: أبنا ابن أيوب ، قال: أبنا ابن شاذان ، قال: أبنا أبو بكر النجاد ، قال: أبنا أبو داود السجستاني ، قال: أبنا الحسن بن محمد ، قال: أبنا حجاج ، قال: قال ابن جريج ، وعثمان بن عطاء ، عن عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق وقال: إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ، وقال: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين نسخ هذا: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ، فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [ ص: 382 ] أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبد الله ، قال: أبنا ابن بشران ، قال: أبنا أحمد بن إسحاق الكاذي ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة " إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق الآية ، قال: نسخ ذلك في براءة ، ونبذ إلى كل ذي عهد عهده ، وأمر الله نبيه أن يقاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وقال: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم الآية .

[ ص: 383 ] ذكر الآية الثالثة والعشرين: قوله تعالى: ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم ، والمعنى: أنهم يظهرون الموافقة للفريقين ليأمنوهما ، فأمر الله تعالى بالكف عنهم ، إذا اعتزلوا وألقوا إلينا السلم ، وهو الصلح كما أمر بالكف عن الذين يصلون إلى قوم بيننا وبينهم ميثاق ، ثم نسخ ذلك بقوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم .

ذكر الآية الرابعة والعشرين: قوله تعالى: وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله ، [ ص: 384 ] جمهور أهل العلم على أن الإشارة بهذا إلى الذي يقتل خطأ ، فعلى قاتله الدية والكفارة ، وهذا قول ابن عباس والشعبي ، وقتادة ، والزهري ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وهو قول أصحابنا ، فالآية على هذا محكمة ، وقد ذهب بعض مفسري القرآن إلى أن المراد به: من كان من المشركين بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد وهدنة إلى أجل ، ثم نسخ ذلك بقوله: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ، وبقوله: فانبذ إليهم على سواء .

ذكر الآية الخامسة والعشرين: قوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم الآية ، اختلف العلماء هل هذه محكمة أم منسوخة ؟ على قولين: [ ص: 385 ] أحدهما: أنها منسوخة وهو قول جماعة من العلماء ، قالوا: بأنها حكمت بخلود القاتل في النار ، وذلك منسوخ بقوله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، وقال بعضهم: نسخها قوله تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى قوله: إلا من تاب ، وحكى أبو جعفر النحاس : أن بعض العلماء ، قال: معنى نسختها آية الفرقان أي: نزلت بنسخها .

والقول الثاني: أنها محكمة ، واختلف هؤلاء في طريق أحكامها على قولين: أحدهما: أن قاتل المؤمن مخلد في النار ، وأكدوا هذا بأنها خبر ، والأخبار لا تنسخ .

" أخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار ، قال: أبنا أبي ، قال: أبنا أبو بكر البرقاني ، قال: أبنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، قال: أخبرني البغوي ، قال: أبنا علي بن الجعد ، قال: أبنا شعبة ، عن المغيرة بن النعمان ، قال: سمعت [ ص: 386 ] سعيد بن جبير ، قال: " اختلف أهل الكوفة في هذه الآية ومن يقتل مؤمنا متعمدا ، قال: فرحلت فيها إلى ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: لقد نزلت في آخر ما نزلت وما نسخها شيء وعن شعبة ، عن منصور ، قال: سمعت سعيد بن جبير ، قال: سألت ابن عباس ، عن قول الله عز وجل: ومن يقتل مؤمنا متعمدا ، قال: لا توبة له .

" أخبرنا ابن الحصين ، قال: أبنا غيلان ، قال: أبنا أبو بكر الشافعي ، قال: أبنا إسحاق بن الحسن ، قال: أبنا ابن حذيفة النهدي ، قال: أبنا سفيان الثوري ، عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " ومن يقتل مؤمنا متعمدا ، قال: ليس لقاتل مؤمن توبة ، ما نسختها آية منذ نزلت أخبرنا سعيد بن أحمد ، قال: أبنا ابن اليسري ، قال: أبنا المخلص ، [ ص: 387 ] قال: أبنا البغوي ، قال: أبنا عثمان بن أبي شيبة ، قال: أبنا أبو خالد الأحمر ، عن عمر بن قيس الملائي ، عن يحيى الجابر ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه تلا هذه الآية: " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ، حتى فرغ منها ، فقيل له: وإن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ، قال ابن عباس : وأنى له التوبة قد سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم ، يقول: " ثكلته أمه ، قاتل المؤمن إذا جاء يوم القيامة واضعا رأسه على إحدى يديه ، آخذا بالأخرى القاتل تشخب أوداجه قبل عرش الرحمن عز وجل ، فيقول: رب سل هذا فيم قتلني ؟ قال: وما نزلت في كتاب الله عز وجل آية نسختها أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله ، قال: أبنا ابن بشران ، قال: أبنا إسحاق بن أحمد ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، قال: أبنا مغيرة بن [ ص: 388 ] النعمان ، عن سعيد بن جبير ، قال: " اختلف أهل الكوفة في هذه الآية ومن يقتل مؤمنا متعمدا ، فرحلت إلى ابن أبي عباس رضي الله عنهما ، فقال: إنها من آخر ما نزل ، وما نسخها شيء قال أحمد : وأبنا يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، قال: حدثني القاسم بن أبي بزة ، عن سعيد بن جبير ، قال: قلت لابن عباس : " هل لمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة ؟ ، قال: لا ، فتلوت هذه الآية التي في الفرقان إلا من تاب وآمن ، فقال: هذه الآية مكية نسختها آية مدنية ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم .

قال أحمد : وأبنا حسين بن محمد ، قال: أبنا سفيان ، عن أبي الزياد ، قال: سمعت شيخنا يحدث خارجة بن زيد بن ثابت ، قال: سمعت أباك ، قال: نزلت الشديدة بعد الهينة بستة أشهر قوله: ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق وقوله: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم .

[ ص: 389 ] وقد روي عن ابن عباس ما يدل على أنه قصد التشديد بهذا القول ، فأخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش ، قال: أبنا إبراهيم بن عمر ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: أبنا محمد بن عبد الملك ، قال: أبنا يزيد بن هارون ، قال: أبنا أبو مالك ، قال: أبنا سعد بن عبيدة ، أن ابن عباس رضي الله عنهما ، كان يقول: " لمن قتل المؤمن توبة ، فجاءه رجل فسأله ، ألمن قتل مؤمنا توبة ؟ قال: لا إلا النار ، فلما قام قال له جلساؤه: ما هكذا ؟ كنت تفتينا أنه لمن قتل مؤمنا متعمدا توبة مقبولة ، فما شأن هذا اليوم ؟ قال: إني أظنه رجلا مغضبا يريد أن يقتل مؤمنا ، فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك قال أبو بكر بن أبي داود : وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن للقاتل توبة ، [ ص: 390 ] وقد روى سعيد بن ميناء ، عن عبد الله بن عمر ، قال: سأله رجل ، قال: إني قتلت رجلا فهل لي من توبة ؟ ، قال: تزود من الماء البارد ، فإنك لا تدخلها أبدا .

وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما ضد هذا ، فإنه قال للقاتل تب إلى الله يتب عليك ، وروى سعيد بن ميناء ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: جاءه رجل ، فقال: يا أبا هريرة ، ما تقول في قاتل المؤمن ، هل له من توبة ؟ ، قال: والذي لا إله إلا هو لا يدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط .

والقول الثاني: أنها عامة دخلها التخصيص ، بدليل أنه لو قتله كافر ثم أسلم الكافر سقطت عنه العقوبة في الدنيا والآخرة ، فإذا ثبت كونها من العام المخصص ، فأي دليل صلح للتخصيص وجب العمل به ، ومن أسباب التخصيص أن يكون قد قتله مستحلا لأجل إيمانه فيستحق التخليد لاستحلاله .

[ ص: 391 ] " أخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش ، قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: أبنا الحسن بن عطاء ، وأحمد بن محمد الحسين ، قالا: أبنا خلاد بن يحيى ، قال: أبنا أنس بن مالك الصيرفي أبو روية ، عن أنس بن مالك ، قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وعليها أمير ، فلما انتهى إلى أهل ماء خرج إليه رجل من أهل الماء ، فخرج إليه رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: إلى ما تدعو ؟ فقال: " إلى الإسلام " ، قال: وما الإسلام ؟ ، قال: " شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن تقر بجميع الطاعة " ، قال: هذا ؟ قال: " نعم ، فحمل عليه فقتله لا يقتله إلا على الإسلام ، فنزلت: ومن يقتل مؤمنا متعمدا ، لا يقتل إلا على إيمانه الآية كلها .

قال سعيد بن جبير : نزلت في مقيس بن ضبابة قتل مسلما عمدا وارتد كافرا ، وقد ضعف هذا الوجه أبو جعفر النحاس ، فقال: ومن لفظ عام لا يخص ، إلا بتوقيف أو دليل قاطع وقد ذهب قوم إلى أنها مخصوصة في حق من لم يتب ، بدليل قوله تعالى: إلا من تاب [ ص: 392 ] والصحيح أن الآيتين محكمتان ، فإن كانت التي في النساء أنزلت أولا فإنها محكمة ، نزلت على حكم الوعيد غير مستوفاة الحكم ، ثم بين حكمها في الآية التي في الفرقان ، وكثير من المفسرين منهم ابن عباس وأبو مجلز ، وأبو صالح ، يقولون: فجزاؤه جهنم إن جازاه ، وقد روى لنا مرفوعا إلا أنه لا يثبت رفعه ، والمعنى يستحق الخلود غير أنه لا يقطع له به .

وفي هذا الوجه بعد لقوله: وغضب الله عليه ولعنه ، فأخبر بوقوع عذابه كذلك ، وقال أبو عبيد : وإن كانت التي في الفرقان الأولى فقد استغنى بما فيها عن إعادته في سورة النساء فلا وجه للنسخ بحال .

[ ص: 393 ] ذكر الآية السادسة والعشرين: قوله تعالى: إن المنافقين في الدرك الأسفل زعم بعض من قل فهمه أنها نسخت بالاستثناء بعدها وهو قوله: إلا الذين تابوا وقد بينا في مواضع أن الاستثناء ليس بنسخ .

[ ص: 394 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية