الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (76) قوله تعالى: وإذا لقوا الآية، قد تقدم نظيرها أول السورة، وقد تقدم الكلام على مفرداتها وإعرابها، فأغنى ذلك من الإعادة.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه الجملة الشرطية تحتمل وجهين:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أن تكون مستأنفة كاشفة عن أحوال اليهود والمنافقين.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن تكون في محل نصب على الحال معطوفة على الجملة الحالية قبلها وهي: "وقد كان فريق" والتقدير: كيف تطمعون في إيمانهم وحالهم كيت وكيت؟ وقرأ ابن السميفع: (لاقوا) وهو بمعنى لقوا، فاعل بمعنى فعل نحو: سافر وطارقت النعل.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: بما فتح الله متعلق بالتحديث قبله، وما موصولة بمعنى الذي والعائد محذوف أي: فتحه الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وأجاز أبو البقاء أن تكون نكرة موصوفة أو مصدرية، أي: شيء فتحه، فالعائد محذوف أيضا، أو بفتح الله عليكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي جعلها مصدرية إشكال من حيث إن الضمير في قوله بعد ذلك: ليحاجوكم به عائد على "ما" هذا هو الظاهر، وما المصدرية حرف لا يعود عليها ضمير على المشهور خلافا للأخفش وأبي بكر بن السراج، إلا أن يتكلف، فيقال: الضمير يعود على المصدر المفهوم من قوله: أتحدثونهم أو من قوله فتح، أي: ليحاجوكم بالتحديث الذي حدثتموهم، أو بالفتح [ ص: 443 ] الذي فتحه الله عليكم.

                                                                                                                                                                                                                                      والجملة من قوله: "أتحدثونهم" في محل نصب بالقول، والفتح هنا معناه الحكم والقضاء، وقيل: الفتاح: القاضي بلغة اليمن، وقيل الإنزال.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الإعلام أو التبيين بمعنى أنه بين لكم صفة محمد عليه السلام، أو المن بمعنى ما من عليكم به من نصركم على عدوكم، وكل هذه أقوال مذكورة في التفسير.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ليحاجوكم هذه اللام تسمى لام كي بمعنى أنها للتعليل، كما أن "كي" كذلك، لا بمعنى أنها تنصب ما بعدها بإضمار بـ"كي" كما سيأتي، وهي حرف جر، وإنما دخلت على الفعل؛ لأنه منصوب بأن المصدرية مقدرة بعدها، فهو معها بتأويل المصدر أي للمحاجة، فلم تدخل إلا على اسم لكنه غير صريح.

                                                                                                                                                                                                                                      والنصب بأن المضمرة - كما تقدم - لا بـ(كي) خلافا لابن كيسان والسيرافي وإن ظهرت بعدها، نحو قوله تعالى: لكيلا تأسوا لأن "أن" هي أم الباب، فادعاء إضمارها أولى من غيرها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الكوفيون : النصب باللام نفسها، وأن ما يظهر بعدها من كي وأن إنما هو على سبيل التأكيد، وللاحتجاج موضع غير هذا من كتب النحو.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز إضمار أن وإظهارها بعد هذه اللام إلا في صورة واحدة وهي ما إذا وقع بعدها "لا" نحو قوله: لئلا يعلم لئلا يكون للناس وذلك لما يلزم من توالي لامين فيثقل اللفظ.

                                                                                                                                                                                                                                      والمشهور في لغة العرب كسر هذه اللام لأنها حرف جر وفيها لغية شاذة وهي الفتح.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه اللام متعلقة بقوله: "أتحدثونهم ".

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب بعضهم إلى أنها متعلقة بـ"فتح"، وليس بظاهر؛ لأن المحاجة ليست علة للفتح، وإنما هي [ ص: 444 ] نشأت عن التحديث، اللهم إلا أن يقال: تتعلق به على أنها لام العاقبة، وهو قول قيل به فصار المعنى أن عاقبة الفتح ومآله صار إلى أن حاجوكم، أو تقول: إن اللام لام العلة على بابها، وإنما تعلقت بـ(فتح) لأنه سبب للتحديث، والسبب والمسبب في هذا واحد.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "به" الضمير يعود على "ما" من قوله: بما فتح الله وقد تقدم أنه يضعف القول بكونها مصدرية، وأنه يجوز أن يعود على أحد المصدرين المفهومين من "أتحدثونهم" و"فتح".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: عند ربكم ظرف معمول لقوله: ليحاجوكم بمعنى ليحاجوكم يوم القيامة، فكنى عنه بقوله: عند ربكم وقيل: "عند" بمعنى في، أي: ليحاجوكم في ربكم، أي: فيكونون أحق به منكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: ثم مضاف محذوف أي: عند ذكر ربكم، وقيل: هو معمول لقوله: بما فتح الله أي بما فتح الله من ربكم ليحاجوكم، وهو نعته عليه السلام وأخذ ميثاقهم بتصديقه، ورجحه بعضهم وقال: هو الصحيح؛ لأن الاحتجاج عليهم هو بما كان في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذا نظر من جهة الصناعة، وذلك أن ليحاجوكم متعلق بقوله: أتحدثونهم على الأظهر كما تقدم فيلزم الفصل به بين العامل وهو (فتح) وبين معموله وهو (عند ربكم) وذلك لا يجوز؛ لأنه أجنبي منهما.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: أفلا تعقلون تقدم الكلام على نظيرتها.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه الجملة قولان:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما [أنها] مندرجة في حيز القول.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني أنها من خطاب الله تعالى للمؤمنين بذلك فمحلها النصب على الأول ولا محل لها على الثاني، ومفعول تعقلون يجوز أن يكون مرادا ويجوز ألا يكون.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية