الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        [ ص: 99 ] البحث الرابع : في وقوع المجاز في لغة العرب

                        المجاز واقع في لغة العرب ، عند جمهور أهل العلم .

                        وخالف في ذلك أبو إسحاق الإسفراييني ، وخلافه هذا يدل أبلغ دلالة على عدم اطلاعه على لغة العرب ، وينادي بأعلى صوت بأن سبب هذا الخلاف تفريطه في الاطلاع على ما ينبغي الاطلاع عليه من هذه اللغة الشريفة ، وما اشتملت عليه من الحقائق والمجازات التي لا تخفى على من له أدنى معرفة بها .

                        وقد استدل بما هو أوهن من بيت العنكبوت ، فقال : إنه لو كان المجاز واقعا في لغة العرب ، لزم الإخلال بالتفاهم ؛ إذ قد تخفى القرينة .

                        وهذا التعليل عليل ، فإن تجويز خفاء القرينة أخفى من السها .

                        واستدل صاحب المحصول لهذا القائل : بأن اللفظ لو أفاد المعنى على سبيل المجاز ، فإما أن يفيد مع القرينة ، أو بدونها .

                        والأول باطل ; لأنه مع القرينة المخصوصة لا يحتمل غير ذلك ، فيكون هو مع تلك القرينة حقيقة لا مجازا .

                        والثاني باطل ; لأن اللفظ لو أفاد معناه المجازي بدون قرينة ، لكان حقيقة فيه ؛ إذ لا معنى للحقيقة إلا كونها مستقلة بالإفادة بدون قرينة .

                        وأجاب عنه : بأن هذا نزاع في العبارة .

                        ولنا أن نقول : اللفظ الذي لا يفيد إلا مع القرينة هو المجاز ، ولا يقال للفظة مع القرينة حقيقة فيه ; لأن دلالة القرينة ليست دلالة وضعية حتى يجعل المجموع لفظا واحدا دالا على المسمى .

                        [ ص: 100 ] وعلى كل حال : فهذا القول لا ينبغي الاشتغال بدفعه ، ولا التطويل في رده ، فإن وقوع المجاز وكثرته في اللغة العربية أشهر من نار على علم ، وأوضح من شمس النهار .

                        قال ابن جني : أكثر اللغة مجاز .

                        وقد قيل : إن أبا علي الفارسي قائل بمثل هذه المقالة التي قالها الإسفراييني . وما أظن مثل أبي علي يقول ذلك ؛ فإنه إمام اللغة العربية الذي لا يخفى على مثله مثل هذا الواضح البين الظاهر الجلي .

                        وكما أن المجاز واقع في لغة العرب ، فهو أيضا واقع في الكتاب العزيز - عند الجماهير - وقوعا كثيرا ، بحيث لا يخفى إلا على من لا يفرق بين الحقيقة والمجاز .

                        وقد روي عن الظاهرية نفيه في الكتاب العزيز ، وما هذا بأول مسائلهم التي جمدوا فيها جمودا يأباه الإنصاف ، وينكره الفهم ويجحده العقل .

                        وأما ما استدل به لهم ، من أن المجاز كذب ; لأنه ينفي فيصدق نفيه ، وهو باطل ; لأن الصادق إنما هو نفي الحقيقة ، فلا ينافي صدق إثبات المجاز ، وليس في المقام من الخلاف ما يقتضي ذكر بعض المجازات الواقعة في القرآن ، والأمر أوضح من ذلك .

                        وكما أن المجاز واقع في الكتاب العزيز وقوعا كثيرا ، فهو أيضا واقع في السنة وقوعا كثيرا ، والإنكار لهذا الوقوع مباهتة لا يستحق المجاوبة .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية