الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        البحث الثامن .

                        في أن اللفظ قبل الاستعمال لا يتصف بكونه حقيقة ولا بكونه مجازا ؛ لخروجه عن حد كل واحد منهما ، إذ الحقيقة هي اللفظ المستعمل فيما وضع له ، والمجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له .

                        وقد اتفقوا على أن الحقيقة لا تستلزم المجاز ; لأن اللفظ قد يستعمل في ما وضع له ، ولا يستعمل في غيره ، وهذا معلوم لكل عالم بلغة العرب .

                        واختلفوا هل يستلزم المجاز الحقيقة ، أم لا بل يجوز أن يستعمل اللفظ في غير ما وضع له ، ولا يستعمل في ما وضع له أصلا ؟

                        فقال جماعة : إن المجاز يستلزم الحقيقة ، واستدلوا على ذلك بأنه لو لم يستلزم لخلا الوضع عن الفائدة ، وكان عبثا ، وهو محال .

                        [ ص: 107 ] أما الملازمة : فلأن ما لم يستعمل ، لا يفيد فائدة ، وفائدة الوضع : إنما هي إعادة المعاني المركبة ، وإذا لم يستعمل لم يقع في التركيب فانتفت فائدته .

                        وأما بطلان اللازم فظاهر .

                        وأجيب : بمنع انحصار فائدته في إفادة المعاني المركبة ، فإن صحة التجوز فائدة .

                        واستدل القائلون بعدم الاستلزام - وهم الجمهور - بأنه لو استلزم المجاز الحقيقة ، لكان لنحو : " شابت لمة الليل " ، أي ابيض الغسق " ، و " قامت الحرب على ساق " أي اشتدت - حقيقة ، واللازم منتف .

                        وأجيب : عن هذا بجوابين ، جدلي ، وتحقيقي :

                        أما الجدلي : فبأن الإلزام مشترك ; لأن نفس الوضع لازم للمجاز ، فيجب أن تكون هذه المركبات موضوعة لمعنى متحقق ، وليس كذلك .

                        وأما التحقيقي : فباختيار أنه لا مجاز في المركب بل في المفردات ، ولها وضع واستعمال ، ولا مجاز في التركيب حتى يلزم أن يكون له معنى .

                        ومن اتبع عبد القاهر في أن المجاز مفرد ومركب ، ويسمى عقليا ، وحقيقة عقلية ، لكونهما في الإسناد ، سواء كان طرفاه حقيقتين ، نحو : سرتني رؤيتك ، أو مجازين : نحو أحياني اكتحالي بطلعتك : أو مختلفين ، فإن اتبعه في عدم الاستلزام أيضا فذاك ، وإلا فله أن يجيب بأن مجازات الأطراف لا مدخل لها فيه ، ولها حقائق ، ومجاز الإسناد ليس لفظا ، حتى يطلب لعينه حقيقة ووضع ، بل معنى له حقيقة بغير هذا اللفظ ، واجتماع المجازات لا يستلزم اجتماع حقائقها .

                        ومن قال بإثبات المجاز المركب في الاستعارة التمثيلية ، نحو : طارت به العنقاء ، وأراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى ، فلا بد أن يقال بعدم الاستلزام .

                        ومن نفى المجاز المركب أجاب عن المجاز العقلي بأنه من الاستعارة التبعية ; وذلك لأن عرف العرب أن يعتبروا القابل فاعلا ، نحو : مات فلان ، وطلعت الشمس ، ولم يلتزموا [ ص: 108 ] الإسناد إلى الفاعل الحقيقي ، كما في : أنبت الله ، وخلق الله ، فكذا سرتني رؤيتك ; لأنها قابلة لأحداث الفرح ونحوها من الصور الإسنادية .

                        وأشف ما استدلوا به - قولهم : إن الرحمن مجاز في الباري سبحانه ; لأن معناه ذو الرحمة ، ومعناه الحقيقي - وهو رقة القلب - لا وجود له ، ولم يستعمل في غيره تعالى .

                        وأجيب : بأن العرب قد استعملته في المعنى الحقيقي ، فقالوا لمسيلمة : هو رحمان اليمامة .

                        ورد : بأنهم لم يريدوا بهذا الإطلاق أن مسيلمة رقيق القلب ، حتى يرد النقض به .

                        ومما يستدل به للنافي أن أفعال المدح والذم هي أفعال ماضية ، ولا دلالة لها على الزمان الماضي ، فكانت مجازات لا حقائق لها .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية