الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        [ ص: 321 ] الفصل السابع : في إجزاء الإتيان بالمأمور به على وجهه

                        اعلم أن الإتيان بالمأمور به على وجهه الذي أمر به الشارع قد وقع الخلاف فيه بين أهل الأصول ، هل يوجب الإجزاء أم لا ؟ ؟

                        وقد فسر فسر الإجزاء بتفسيرين :

                        أحدهما : حصول الامتثال به ، والآخر : سقوط القضاء به ، فعلى التفسير الأول لا شك أن الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي تحقق الإجزاء المفسر المفسر بالامتثال ، وذلك متفق عليه ، فإنه معنى الامتثال ، وحقيقته ذلك ، وإن فسر فسر بسقوط القضاء ، فقد اختلف فيه جماعة من أهل الأصول أن الإتيان بالمأمور به على وجه يستلزم سقوط القضاء .

                        وقال القاضي عبد الجبار : لا يستلزم .

                        استدل القائلون بالاستلزام : بأنه لو لم يستلزم سقوط القضاء لم يعلم امتثال أبدا ، واللازم منتف ، فالملزوم مثله مثله ، أما الملازمة فلأنه حينئذ يجوز أن يأتي بالمأمور به ، ولا يسقط عنه ، بل يجب عليه فعله فعله مرة أخرى قضاء ، وكذلك القضاء إذا فعله لم يسقط كذلك ، وأما انتفاء اللازم : فمعلوم قطعا واتفاقا .

                        وأيضا إن القضاء عبارة عن استدراك ما قد فات من مصلحة الأداء ، والفرض أنه قد جاء بالمأمور به على وجهه ، ولم يفت يفت منه شيء ، وحصل المطلوب بتمامه ، فلو أتى به استدراكا لكان تحصيلا للحاصل .

                        قال في المحصول : فعل المأمور به يقتضي الإجزاء خلافا لأبي هاشم وأتباعه . لنا وجوه :

                        الأول : أنه أتى بما أمر أمر به فوجب أن يخرج عن العهدة ، وإنما قلنا إنه أتى بما أمر به ; لأن المسألة مرفوضة فيما إذا كان الأمر كذلك ، وإنما قلنا يلزم أن يخرج عن العهدة ; لأنه لو بقي الأمر بعد ذلك لبقي إما متناولا للمأتي به أو لغيره ، والأول باطل ; لأن الحاصل لا يمكن تحصيله . والثاني باطل ; لأنه يلزم أن يكون الأمر قد كان متناولامتناولا لغيره ذلك الذي وقع مأتيا به ، ولو كان كذلك لما كان المأتي به تمام متعلق الأمر وقد فرضناه كذلك هذا خلف خلف .

                        [ ص: 322 ] والثاني : أنه لا يخلو إما أن يجب عليه فعله ثانيا ثانيا وثالثا ، أو يتفصى ينقضي عن عهدته بما ينطلق عليه الاسم ، والأول باطل لما بينا على أن الأمر يفيد التكرار ، والثاني هو المطلوب ; لأنه لا معنى للإأجزاء إلا كونه كافيا في الخروج عن عهدة الأمر .

                        والثالث : أنه لو لم يقتض الأإجزاء لكان يجوز أن يقول السيد لعبده : افعل ، فإذا فعلت فعلت لا يجزئ يجزئ عنك ، ولو قال ذلك أحد لعد لعد مناقضا .

                        احتج المخالف بوجوه :

                        الأول : أن النهي لا يدل على الفساد بمجرده ، فالأمر يجب أن لا يدل على الأإجزاء بمجرده .

                        والثاني : أن أن كثيرا من العبادات يجب على الشارع فيها إتمامها إتمامها والمضي فيها ، ولا تجزئه تجزئه عن المأمور به كالحجة كالحجة الفاسدة ، والصوم الذي جامع فيه .

                        والثالث : أن الأمر بالشيء لا يفيد إلا كونه مأمورا به ، فأما أن الإتيان به يكون سببا لسقوط التكليف فذاك لا يدل عليه بمجرد الأمر .

                        والجواب عن الأول : أنا أنا إن سلمنا أن النهي لا يدل على الفساد ، لكن الفرق بينه وبين الأمر أن نقول : النهي يدل على منعه من فعله ، وذلك لا ينافي أن نقول : إنك لو أتيت به لجعلته لجعلته سببا لحكم آخر ، أما الأمر فلا دلالة فيه إلا على اقتضائه المأمور به مرة واحدة ، فإذا أتى به فقد أتى بتمام المقتضى فوجب أن لا يبقى يبقى الأمر بعد ذلك مقتضيا لشيء .

                        وعن الثاني : أن تلك الأفعال مجزئة مجزئة بالنسبة إلى الأمر الوارد بإتمامها ، وغير مجزئة بالنسبة إلى الأمر الأول ; لأن الأمر الأول اقتضى إيقاع المأمور به ، لا على حد الوجه الذي وقع به على وجه آخر ، وذلك الوجه لم يوجد .

                        وعن الثالث : أن الإتيان بتمام المأمور به يوجب أن لا يبقى يبقى الأمر مقتضيا بعد ذلك ، وذلك هو المراد بالإجزاء .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية