الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          234 - فصل

                          [ في مفاداة الأسير الكافر ]

                          فإن قيل : فكيف تجمعون بين المنع من بيعهم لكافر وبين جواز المفاداة بهم من الكفار بالمال والمسلم ؟

                          قيل : أما المفاداة بهم بمسلم فيجوز ؛ لأن مصلحة تخليص المسلم من أسر الكفار أرجح من بقاء العبد الكافر بين المسلمين ينتظرون إسلامه ، بخلاف بيعه لهم فإنه لا مصلحة فيه للعبد ، وهو يفوت عليه ما يرجى له بإقامته بين المسلمين من أعظم المصالح .

                          وأما مفاداته بمال فهذا فيه روايتان عن الإمام أحمد ، فإن منعنا ذلك فلأن مفاداته بمال بيع منه لهم .

                          [ ص: 1258 ] قال : وإن جوزناها فالفرق بينها وبين بيع المسلم له من الكافر أن مصلحة الفداء بالمال قد تكون عامة للمسلمين لحاجتهم إلى المال يتقوون به على عدوهم ، فتكون مصلحة المفاداة أرجح من بقاء العبد بين أظهر المسلمين بخلاف بيع المسلم المالك له من كافر ، فإنه لا مصلحة للمسلمين في ذلك .

                          ذكر نصوص أحمد في هذا الباب

                          قال يعقوب بن بختان : سألت أبا عبد الله : أيباع السبي من أهل الذمة ؟ قال : لا ، يروى فيه عن الحسن .

                          وقال بكر بن محمد : سئل أبو عبد الله عن الرجل يبيع العبد النصراني من النصراني ؟ قال : لا يبتاعون من سبينا ، قيل له : فيكون عبدا لنصراني فيشترى منه فيباع للنصراني ؟ قال : نعم ، وكره أن يباع المملوك النصراني إذا كان من سبي المسلمين للنصارى .

                          وقال [ المروذي ] : سئل أبو عبد الله : هل يشتري أهل الذمة من سبينا ؟ قال : لا ، إذا صاروا إليهم يئسوا من الإسلام ، وإذا كانوا في أيدي المسلمين فهو أقرب إلى الإسلام . قال : وسألته تباع الجارية النصرانية من النصراني ؟ قال : لا ، إذا باعها فقد أيسنا من إسلامها .

                          [ ص: 1259 ] وقال عبد الله : سمعت أبي يقول : ليس لأهل الذمة أن يشتروا شيئا من سبينا يمنعون من ذلك ؛ لأنهم إذا صاروا إليهم نشئوا على كفرهم .

                          ويقال : إن عمر كان في عهده لأهل الشام أن يمنعوا من شراء سبايانا .

                          وقال عبد الله : سألت أبي عن رجل كانت عنده أمة نصرانية ولها ولد ، أيبيعها مع ولدها من نصراني ؟ قال : لا ، قلت فإن باعها وحدها دون ولدها للنصراني ؟ قال : لا يبيعها للنصراني ، ليس لهم أن يشتروا مما سبى المسلمون شيئا . قلت لأبي : فمن أين يشترون ؟ قال : بعضهم من بعض .

                          ويروى عن عمر أنه كتب ينهى أن تباع النصرانية من النصراني .

                          ويروى عن الحسن أنه كره ذلك .

                          وقال في رواية حنبل : ليس لنصراني ولا أحد من أهل الأديان أن يشتري من سبينا شيئا ، ولا يباع منهم ، وإن كان صغيرا لعله يسلم ، وهذا يدخله في دينه . قلت : فإن كان كبيرا وأبى الإسلام ؟ قال : لا يباع إلا من مسلم لعله يسلم ، وأما الصبي فلا يتركوه أن يدخلوه في دينهم ، ولا يباع [ ص: 1260 ] شيء من سبينا منهم نحن أحق به ، هم أقرب إلى الإسلام ، وكذلك قال في رواية أبي طالب .

                          وقال في رواية ابنه صالح : لا يباع الرقيق من يهودي ولا نصراني ولا مجوسي من كان منهم ، وذاك لأنه إذا باعه أقام على الشرك ، وكتب فيه عمر ينهى عنه أمراء الأمصار .

                          وكذلك قال في رواية إسحاق بن إبراهيم وأبي الحارث والميموني .

                          قال الميموني : قلت : فإن باع رجل منهم مملوكه يرده ؟ قال : نعم ؛ يرده ، فقال له رجل : من أين يكون رقيقهم ؟ قال : مما في أيديهم مما صولحوا عليه فتناسلوا ، فأما أن يشتروا منا فلا .

                          وكذلك قال في رواية ابن منصور : لا يباعون من أهل الذمة ولا من أهل الحرب صغارا كانوا أو كبارا .

                          [ ص: 1261 ]

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية