الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المسألة الرابعة: قبول الصبي للوقف:

        أما الصبي غير المميز، فلا يصح قبوله للوقف كما تقدم من عدم اعتبار قوله، وتقدم الدليل على ذلك.

        وعلى هذا يقبل عنه وليه؛ لما تقدم قريبا من أن المجنون يقبل عنه وليه، وتقدم بيان شروط الإيجاب والقبول.

        وأما قبول الموقف من الصبي المميز، فقد اختلف الفقهاء في صحة قبول الصبي المميز للوقف على ثلاثة أقوال:

        القول الأول: صحة قبول الصبي المميز للوقف.

        وبهذا قال الحنفية، وهو مقتضى مذهب المالكية، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها الموفق ابن قدامة. [ ص: 464 ]

        القول الثاني: أن قبول الصبي المميز للوقف صحيح موقوف على إجازة الولي.

        وإليه ذهب المالكية.

        وقالوا: يتعين على الولي إجازة تصرف الصبي المميز في هذه الحالة.

        وهو الصحيح من مذهب الحنابلة.

        القول الثالث: عدم صحة قبول الصبي المميز للوقف.

        وبهذا قال الشافعية.

        الأدلة:

        دليل القول الأول:

        استدل القائلون بصحة قبول الصبي المميز للوقف:

        أن الصبي المميز من أهل التصرف في الجملة، وما يصدره من عقود نافعة يعد محض مصلحة، ولا ضرر فيه؛ فيصح من غير إذن وليه قياسا على كسب المباحات كالاحتطاب والاصطياد ونحوهما.

        دليل القول الثاني:

        استدل القائلون بوقف قبول الصبي المميز للوقف على إجازة الولي:

        أن إصدار الصيغ من التصرفات، والصبي المميز ليس لديه أهلية تصرف؛ فتبقى تصرفاته موقوفة على إجازة وليه. [ ص: 465 ]

        ويناقش هذا بعدم التسليم به، فالصبي المميز من أهل التصرف، ولا يحتاج إلى إذن وليه فيما تمحضت فيه مصلحته؛ لأن الولي ما وضع إلا لمصلحة الصبي.

        أدلة القول الثالث:

        استدل القائلون بعدم صحة قبول الصبي المميز للوقف بدليل:

        1 - حديث عائشة رضي الله عنها «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ... ».

        وقد ذكر النووي - رحمه الله - وجه الاستدلال من هذا الحديث: أن مقتضى الحديث إسقاط أقواله وأفعاله.

        2 - أن الصبي المميز غير مكلف، فلا يصح قبوله للوقف مطلقا كالمجنون وغير المميز.

        ويناقش هذا الدليل: بأنه قياس مع الفارق، فالصبي المميز عنده أهلية أداء قاصرة، فلا يقاس على المجنون وغير المميز؛ لأنهما ليس لديهما أهلية أداء البتة.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - صحة قبول الصبي المميز للوقف؛ لقوة دليله، وضعف دليل المخالف بمناقشة.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية