الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              حرف الفاء

                                                                                                                                                                                                                              «الفاتح » :

                                                                                                                                                                                                                              تقدم ذكره في حديث أبي الطفيل رضي الله تعالى عنه وسيأتي في حديث الإسراء وجعلني فاتحا وخاتما » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد الرزاق في المصنف عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما بعثت فاتحا وخاتما وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه .

                                                                                                                                                                                                                              قال «يا » «د » وهو مما سماه الله تعالى به من أسمائه فإنه منها كما قال: ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين . وقال تعالى: ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم ومعناه: الحاكم بين عباده، فإن الفتح بمعنى القضاء، أو الفاتح أبواب الرزق والرحمة والمنغلق من أمورهم عليهم، أو فاتح قلوبهم وبصائرهم للحق، أو ناصرهم. وسمي النبي صلى الله عليه وسلم فاتحا لأنه حاكم في الخلق بحكم الله حاملهم على المحجة البيضاء مانعهم من التعدي والظلم. أو الفاتح لبصائرهم بالهداية، والدلالة على الخير والناصر لهم. وقيل لأنه يفتح خطاب الرب تبارك وتعالى. وقيل لأنه المبتدئ في هداية هذه الأمة ففتح لهم باب العلم الذي كان قد انغلق عليهم، كما قال علي رضي الله تعالى عنه: «الفاتح لما استغلق » . الأثر السابق في اسمه:

                                                                                                                                                                                                                              «الرافع » .

                                                                                                                                                                                                                              «ط » ويصح أن يكون صلى الله عليه وسلم فاتحا لأنه فتح الرسل بمعنى أنه أولهم في الخلق. أو فاتح الشفعاء بقرينة اقترانه باسمه الخاتم، فيكون كاسمه الأول والآخر.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وكل هذه المعاني مجتمعة فيه صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                              «الفارق » :

                                                                                                                                                                                                                              قال «ع » : هو اسمه صلى الله عليه وسلم في الزبور ومعناه: يفرق بين الحق والباطل وهو صيغة مبالغة. والفارق: اسم فاعل من الفرق وهو الفضل والإبانة.

                                                                                                                                                                                                                              «الفارقليط » :

                                                                                                                                                                                                                              تقدم في حرف الباء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه من [ ص: 494 ]

                                                                                                                                                                                                                              أسمائه صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة. وضبطه ثعلب بالفاء أوله وقال: معناه الذي يفرق بين الحق والباطل. وقال محمد بن حمزة الكرماني رحمه الله تعالى في غريب التفسير: أي ليس بمذموم. وضبطه أبو عبيد البكري بالباء الموحدة غير صافية فيه فقال: البارقليط ومعناه روح الحق.

                                                                                                                                                                                                                              «الفاضل » :

                                                                                                                                                                                                                              الحسن الكامل العالم إذ الفضل يرد بمعنى العلم، قال تعالى: ولقد آتينا داود منا فضلا أي علما. أو الكثير الفضيلة وهي الدرجة الرفيعة في الفضل ضد النقص.

                                                                                                                                                                                                                              «الفائق » :

                                                                                                                                                                                                                              بالهمزة كقائد وصائن فأعل إعلالهما، لأن أصله فاوق فقلبت الواو ألفا كما قلبت في ماضي فعله الذي هو اسم الفاعل محمول عليه في الإعلال لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم قلبت الألف همزة لقربها منها ولم تحذف لالتقاء الساكنين حذرا من الالتباس بالماضي، وتكتب مثل هذه الهمزة بصورة الياء ويرقم عليها بالهمزة ونقطها خطأ قبيح عند علماء الرسم، ولا ينطق بها إلا بين بين وهو الخيار من كل شيء وفي الصحاح: يقال: فاق الرجل أقرانه يفوقهم أي علاهم بالشرف والفضل. وسمي صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه خيار الخلق وخيرة الخلق. أو لأنه أفضل الخلق نسبا وأكثرهم فضلا وأدبا.

                                                                                                                                                                                                                              «الفتاح » :

                                                                                                                                                                                                                              بمعنى الفاتح إلا أنه أبلغ منه. أو الناصر. ومنه قوله تعالى: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح أي النصر. وهو من أسمائه تعالى. ومعناه. الذي لا يغلق وجوه النعم بالعصيان ولا يترك اتصال الرحمة بالنسيان، أو الذي يفتح على النفوس باب توفيقه وعلى القلوب باب تحقيقه، أو الذي يفتح بعنايته كل مقفل ويكشف بهدايته ما أشكل.

                                                                                                                                                                                                                              «الفجر » :

                                                                                                                                                                                                                              وهو مصدر في الأصل، وهو الصبح لأن فجر الليل أي شقه، وأصل الفجر شق الشيء شقا واسعا، يقال فجرته فانفجر. وفجرته فتفجر، ونقل القاضي عن ابن عطاء في قوله تعالى والفجر وقيل: هو محمد صلى الله عليه وسلم لأنه منه تفجر الإيمان.

                                                                                                                                                                                                                              «الفخر » :

                                                                                                                                                                                                                              بالخاء المعجمة: العظيم الكبير.

                                                                                                                                                                                                                              «الفخم » :

                                                                                                                                                                                                                              بالخاء المعجمة: العظيم الجليل.

                                                                                                                                                                                                                              «الفدغم » :

                                                                                                                                                                                                                              بالدال المهملة والغين المعجمة بوزن جعفر: الحسن الجميل والعظيم الجليل.

                                                                                                                                                                                                                              «الفرد » :

                                                                                                                                                                                                                              المنفرد بصفاته الجميلة المتوحد في خلقته الجليلة. وهو أخص من الواحد، الأخص من الوتر. لأنه الذي لا يختلط به غيره وجمعه فرادى.

                                                                                                                                                                                                                              «الفرط » :

                                                                                                                                                                                                                              بفتح الراء.

                                                                                                                                                                                                                              في حديث في صحيح البخاري : «أنا فرطكم وأنا شهي. [ ص: 495 ]

                                                                                                                                                                                                                              عليكم »

                                                                                                                                                                                                                              والفرط: الذي يسبق إلى الماء يهيئ للواردة الحوض ويستقي لهم، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا لمن تقدم أصحابه يهيئ لهم ما يحتاجون إليه، كذا فسره أبو عبيد، ويوافقه

                                                                                                                                                                                                                              رواية مسلم. أنا الفرط على الحوض »

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: معناه أنا أمامكم وأنتم ورائي، وهو صلى الله عليه وسلم يتقدم أمته شافعا لهم.

                                                                                                                                                                                                                              «الفصيح » :

                                                                                                                                                                                                                              فعيل من الفصاحة وهي لغة: البيان واصطلاحا خلوص الكلام من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد، وهذا باعتبار المعنى وأما باعتبار اللفظ فهو كونه على ألسنة الفصحاء الموثوق بعربيتهم وسيأتي في باب فصاحته صلى الله عليه وسلم ما يتعلق بذلك.

                                                                                                                                                                                                                              «الفضل » :

                                                                                                                                                                                                                              الإحسان سمي به صلى الله عليه وسلم لأنه فضل الله تعالى ومنته على هذه الأمة بل وعلى غيرها. أو الفاضل أي الشريف الكامل.

                                                                                                                                                                                                                              «فضل الله » :

                                                                                                                                                                                                                              حكى الماوردي رحمه الله في قوله تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا أقوالا: أحدها: أنه هو النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                              «الفطن » :

                                                                                                                                                                                                                              «عا » بكسر الطاء المهملة: الحاذق مأخوذ من الفطنة، وهي كما قيل الفهم بطريق الفيض، أو بدون اكتساب.

                                                                                                                                                                                                                              «الفلاح » :

                                                                                                                                                                                                                              قال «ع » هو اسمه صلى الله عليه وسلم في الزبور، وتفسيره يمحق الله به الباطل «ط » : وكأنه غير عربي إذ الفلاح في اللغة: الفوز والنجاح، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم: ليس في كلام العرب كلمة أجمع للخير من لفظ الفلاح ولا يبعد أن يكون هو اللفظ العربي. وسمي صلى الله عليه وسلم به لما جمع فيه من خصال الخير التي لم تجمع في غيره. أو لأنه سبب الفلاح.

                                                                                                                                                                                                                              «الفهم » :

                                                                                                                                                                                                                              «عا » ككتف: السريع الفهم وهو علم الشيء وعرفانه بالقلب، هذا حده لغة، وأما حده في الاصطلاح فهو كما نقل عن كتاب «البصائر » لابن سهلان: جودة تهيئ الذهن الذي هو قوة للنفس معدة لاكتساب الآراء لتصور ما يرد عليها من غيرها، كما أن الكفر:

                                                                                                                                                                                                                              حركة الذهن في المبادئ لتصير منها إلى المطالب، والحدس جودة حركته إلى اقتناص الحد الأوسط من تلقاء النفس، والذكاء: شدة استعداد هذه القوة لذلك، أو الفهم المدرك لدقائق المعاني والمزيل لقناع المشكلات عن وجه المباني فواتح الفوز.

                                                                                                                                                                                                                              «فاتح الكنوز » . [ ص: 496 ]

                                                                                                                                                                                                                              «فئة المسلمين » :

                                                                                                                                                                                                                              ذكره شيخنا وبيض له. وكأنه أخذه من

                                                                                                                                                                                                                              حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان في سرية قال: فحاص الناس حيصة فكنت ممن حاص، فلما برزنا قلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟ فقلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كانت لنا توبة أقمنا وإن كان غير ذلك ذهبنا. فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر فلما خرج إلينا قمنا إليه فقبلنا يديه فقلنا: نحن الفرارون يا رسول الله. فقال: «بل أنتم العكارون » . فقلنا: إنا قد فررنا من الزحف. فقال: «أنا فئة المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                              رواه أبو داود والترمذي وحسنه النسائي .

                                                                                                                                                                                                                              والعكارون: الكرارون إلى القتال والعاطفون نحوه.

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطابي رحمه الله تعالى: يمهد بذلك عذرهم، وهو تأويل قوله تعالى: أو متحيزا إلى فئة والله تعالى أعلم.

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية