الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فأعلم الله أنهم غير متساوين؛ فقال: ليسوا سواء ؛ وهذا وقف التمام؛ أي: ليس الذين ذكرنا من أهل الكتاب سواء؛ قال أبو عبيدة : " ليسوا سواء " ؛ جمع " ليس " ؛ وهو متقدم؛ كما قال القائل: " أكلوني البراغيث " ؛ وكما قال: عموا وصموا كثير منهم ؛ وهذا ليس كما قال؛ لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى؛ فأخبر الله أنهم غير متساوين؛ فقال: " ليسوا سواء " ؛ ثم أنبأ بافتراقهم؛ فقال: من أهل الكتاب أمة قائمة ؛ قال أهل اللغة: معنى " قائمة " : مستقيمة؛ ولم يبينوا حقيقة هذا؛ وذكر الأخفش المعنى - " أمة قائمة " - أي: ذوو أمة قائمة؛ و " الأمة " : الطريقة؛ من " أممت الشيء " ؛ إذا قصدته؛ فالمعنى - والله أعلم -: من أهل الكتاب أمة قائمة؛ أي: ذوو طريقة قائمة؛ قال النابغة الذبياني:


                                                                                                                                                                                                                                        حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع؟!



                                                                                                                                                                                                                                        أي: هل يأثمن ذو طريقة من طرائق الدين وهو طائع؟! فإنما المعنى أنه لا يستوي الذين قتلوا الأنبياء بغير حق؛ والذين يتلون آيات الله آناء الليل وهم ذوو طريقة مستقيمة. [ ص: 459 ] ومعنى آناء الليل ؛ ساعات الليل؛ قال أهل اللغة: واحد " آناء الليل " : " إني " ؛ و " آناء " ؛ مثل؛ " نحي " ؛ و " أنحاء " ؛ وأنشد أهل اللغة في ذلك قول الشاعر:

                                                                                                                                                                                                                                        حلو ومر كطعم القدح مرته ... بكل إني حذاه الليل ينتعل

                                                                                                                                                                                                                                        قالوا: واحدها " إنى " ؛ مثل " معى " ؛ و " أمعاء " ؛ وحكى الأخفش : " إنو " . وقوله - عز وجل -: وهم يسجدون ؛ معناه: وهم يصلون؛ لأن التلاوة ليست في السجود؛ وإنما ذكرت الصلاة بالسجود؛ لأن السجود نهاية ما فيها من التواضع؛ والخشوع؛ والتضرع؛ ومعنى " يتلون " ؛ في اللغة: يتبعون بعض الشيء بعضا؛ و " قد استتلاك الشيء " ؛ إذا جعلك تتبعه؛ قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        قد جعلت دلوي تستليني ...     ولا أحب تبع القرين



                                                                                                                                                                                                                                        إن لم يرد سماحتي وليني

                                                                                                                                                                                                                                        وقال بعض أهل اللغة: المعنى: منهم أمة قائمة؛ وأمة على غير ذلك؛ وأنشد في ذلك قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        عصاني إليها القلب إني لأمره ...     سميع فما أدري أرشد طلابها



                                                                                                                                                                                                                                        ولم يقل: " أم هو في غي " ؛ لأن في الكلام دليلا عليه؛ قال: والعرب تضمر هذا إذا عرفت مثل هذا - عرفت المعنى -؛ [ ص: 460 ] وهذا الذي قال خطأ فاحش في مثل هذا المكان؛ لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى في هذه القصة بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله؛ ويقتلون الأنبياء بغير حق؛ فأعلم الله - جل وعز - أن منهم المؤمنين؛ الذين هم أمة قائمة؛ فما الحاجة إلى أن يقال: " غير قائمة " ؛ وإنما المبدوء به ههنا ما كان من فعل أكثرهم من الكفر؛ والمشاقة للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فذكر من كان مباينا هؤلاء؛ وذكر في التفسير أن هذا يعنى به عبد الله بن سلام ؛ وأصحابه؛ ومعنى ويأمرون بالمعروف ؛ ههنا: أي: يأمرون باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وينهون عن المنكر ؛ عن الإقامة على مشاقته - صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية