الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الرابعة : مذهب أهل الحق أن الشفاعة حق ، وأنكرها المعتزلة وخلدوا المؤمنين من المذنبين الذين دخلوا النار في العذاب والأخبار متظاهرة بأن من كان من العصاة المذنبين الموحدين من أمم النبيين هم الذين تنالهم شفاعة الشافعين من الملائكة والنبيين والشهداء والصالحين وقد تمسك القاضي عليهم في الرد بشيئين : أحدهما : الأخبار الكثيرة التي تواترت في المعنى . والثاني : الإجماع من السلف على تلقي هذه الأخبار بالقبول ولم يبد من أحد منهم في عصر من الأعصار نكير ؛ فظهور روايتها وإطباقهم على صحتها وقبولهم لها دليل قاطع على صحة عقيدة أهل الحق وفساد دين المعتزلة .

فإن قالوا : قد وردت نصوص من الكتاب بما يوجب رد هذه الأخبار مثل قوله ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع قالوا وأصحاب الكبائر ظالمون وقال من يعمل سوءا يجز به ولا يقبل منها شفاعة قلنا ليست هذه الآيات عامة في كل ظالم والعموم لا صيغة له فلا تعم هذه الآيات كل من يعمل سوءا وكل نفس وإنما المراد بها الكافرون دون المؤمنين بدليل الأخبار الواردة في ذلك وأيضا فإن الله تعالى أثبت شفاعة لأقوام ونفاها عن أقوام فقال في صفة الكافرين فما تنفعهم شفاعة الشافعين وقال ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وقال ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له .

فعلمنا بهذه الجملة أن الشفاعة إنما تنفع المؤمنين دون الكافرين ، وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله تعالى واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة النفس الكافرة لا كل نفس . ونحن وإن قلنا بعموم العذاب لكل ظالم عاص فلا نقول إنهم [ ص: 357 ] مخلدون فيها بدليل الأخبار التي رويناها وبدليل قوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقوله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .

فإن قالوا فقد قال تعالى ولا يشفعون إلا لمن ارتضى والفاسق غير مرتضى قلنا لم يقل لمن لا يرضى ، وإنما قال لمن ارتضى ومن ارتضاه الله للشفاعة هم الموحدون بدليل قوله لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم ما عهد الله مع خلقه ؟ قال ( أن يؤمنوا ولا يشركوا به شيئا ) وقال المفسرون : إلا من قال لا إله إلا الله .

فإن قالوا : المرتضى هو التائب الذي اتخذ عند الله عهدا بالإنابة إليه بدليل أن الملائكة استغفروا لهم وقال فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وكذلك شفاعة الأنبياء عليهم السلام إنما هي لأهل التوبة دون أهل الكبائر قلنا : عندكم يجب على الله تعالى قبول التوبة فإذا قبل الله توبة المذنب فلا يحتاج إلى الشفاعة ولا إلى الاستغفار ، وأجمع أهل التفسير على أن المراد بقوله فاغفر للذين تابوا أي من الشرك واتبعوا سبيلك أي سبيل المؤمنين سألوا الله تعالى أن يغفر لهم ما دون الشرك من ذنوبهم كما قال تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .

فإن قالوا جميع الأمة يرغبون في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فلو كانت لأهل الكبائر خاصة بطل سؤالهم .

قلنا إنما يطلب كل مسلم شفاعة الرسول ويرغب إلى الله في أن تناله لاعتقاده أنه غير سالم من الذنوب ولا قائم لله سبحانه بكل ما افترض عليه بل كل واحد معترف على [ ص: 358 ] نفسه بالنقص فهو لذلك يخاف العقاب ويرجو النجاة ، وقال صلى الله عليه وسلم لا ينجو أحد إلا برحمة الله تعالى فقيل ولا أنت يا رسول الله ؟ فقال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته .

التالي السابق


الخدمات العلمية