الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      الحسن بن سفيان في " مسنده " : حدثنا محمد بن بكار الصيرفي حدثنا حجاج بن فروخ حدثنا ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قدم سلمان من غيبة له ، فتلقاه عمر ، فقال : أرضاك لله عبدا . قال : فزوجني ، فسكت عنه ، قال : ترضاني لله عبدا ، ولا ترضاني لنفسك ؟ فلما أصبح أتاه قوم عمر ليضرب عن خطبة عمر ، فقال : والله ما حملني على هذا أمره ولا سلطانه ، ولكن قلت : رجل صالح عسى الله أن يخرج من بيننا نسمة صالحة . حجاج : واه .

                                                                                      سعيد بن سليمان الواسطي : حدثنا عقبة بن أبي الصهباء ، حدثنا ابن سيرين ، حدثنا عبيدة السلماني أن سلمان مر بحجر المدائن غازيا وهو أمير الجيش وهو ردف رجل من كندة على بغل موكوف ، فقال أصحابه : أعطنا [ ص: 546 ] اللواء أيها الأمير نحمله ، فيأبى حتى قضى غزاته ورجع وهو ردف الرجل .

                                                                                      أبو المليح الرقي : عن حبيب ، عن هزيم أو هذيم قال : رأيت سلمان الفارسي على حمار عري وعليه قميص سنبلاني ضيق الأسفل ، وكان طويل الساقين ، يتبعه الصبيان ، فقلت لهم : تنحوا عن الأمير ، فقال : دعهم ، فإن الخير والشر فيما بعد اليوم .

                                                                                      حماد بن سلمة : عن عطاء بن السائب ، عن ميسرة أن سلمان كان إذا سجدت له العجم ، طأطأ رأسه ، وقال : خشعت لله ، خشعت لله .

                                                                                      أبو نعيم : حدثنا يزيد بن مردانبة ، عن خليفة بن سعيد المرادي ، عن عمه قال : رأيت سلمان في بعض طرق المدائن زحمته حملة قصب فأوجعته ، فأخذ بعضد صاحبها فحركه ، ثم قال : لا مت حتى تدرك إمارة الشباب .

                                                                                      جرير بن حازم : سمعت شيخا من بني عبس يذكر عن أبيه قال : أتيت السوق ، فاشتريت علفا بدرهم ، فرأيت سلمان ولا أعرفه ، فسخرته ، فحملت عليه العلف ، فمر بقوم ، فقالوا : نحمل عنك يا أبا عبد الله ، فقلت : من ذا ؟ قالوا : هذا سلمان صاحب رسول الله . فقلت له : لم أعرفك ، ضعه . فأبى حتى أتى المنزل . [ ص: 547 ]

                                                                                      وروى ثابت البناني نحوها ، وفيها : فحسبته علجا ، وفيها : قال له : فلا تسخر بعدي أحدا .

                                                                                      جعفر بن سليمان : عن هشام بن حسان ، عن الحسن قال : كان عطاء سلمان خمسة آلاف ، وكان على ثلاثين ألفا من الناس ، يخطب في عباءة يفرش نصفها ، ويلبس نصفها . وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه ، ويأكل من سفيف يده - رضي الله عنه - .

                                                                                      شعبة : عن سماك بن حرب ، سمع النعمان بن حميد يقول : دخلت مع خالي على سلمان بالمدائن وهو يعمل الخوص فسمعته يقول : أشتري خوصا بدرهم ، فأعمله ، فأبيعه بثلاثة دراهم فأعيد درهما فيه ، وأنفق درهما على عيالي ، وأتصدق بدرهم ، ولو أن عمر نهاني عنه ما انتهيت .

                                                                                      وروى نحوها عن سماك ، عن عمه وفيها : فقلت له : فلم تعمل ؟ قال : إن عمر أكرهني ، فكتبت إليه ، فأبى علي مرتين ، وكتبت إليه ، فأوعدني .

                                                                                      معن : عن مالك أن سلمان كان يستظل بالفيء حيث ما دار ، ولم يكن له بيت ، فقيل : ألا نبني لك بيتا تستكن به ؟ قال : نعم . فلما أدبر القائل سأله سلمان : كيف تبنيه ؟ قال : إن قمت فيه أصاب رأسك ، وإن نمت أصاب رجلك . [ ص: 548 ]

                                                                                      زائدة : عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي ظبيان ، عن جرير بن عبد الله قال : نزلت بالصفاح في يوم شديد الحر ، فإذا رجل نائم في حر الشمس يستظل بشجرة ، معه شيء من الطعام ، ومزوده تحت رأسه ، ملتف بعباءة ، فأمرته أن يظلل عليه ، ونزلنا فانتبه ، فإذا هو سلمان . فقلت له : ظللنا عليك وما عرفناك . قال : يا جرير ، تواضع في الدنيا ; فإنه من تواضع يرفعه الله يوم القيامة ، ومن يتعظم في الدنيا يضعه الله يوم القيامة ، لو حرصت على أن تجد عودا يابسا في الجنة لم تجده . قلت : وكيف ؟ قال : أصول الشجر ذهب وفضة ، وأعلاها الثمار ، يا جرير ، تدري ما ظلمة النار ؟ قلت : لا ، قال : ظلم الناس .

                                                                                      شعبة : حدثنا حبيب بن الشهيد ، عن عبد الله بن بريدة أن سلمان كان يعمل بيده ، فإذا أصاب شيئا اشترى به لحما أو سمكا ثم يدعو المجذمين ، فيأكلون معه .

                                                                                      سليمان بن المغيرة : عن حميد بن هلال قال : أوخي بين سلمان وأبي الدرداء ، فسكن أبو الدرداء الشام ، وسكن سلمان الكوفة ، وكتب أبو الدرداء إليه : سلام عليك ، أما بعد ، فإن الله رزقني بعدك مالا وولدا ، ونزلت الأرض المقدسة . فكتب إليه سلمان : اعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد ، ولكن الخير أن يعظم حلمك ، وأن ينفعك علمك ، وإن الأرض لا تعمل لأحد ، اعمل كأنك ترى ، واعدد نفسك من الموتى . [ ص: 549 ]

                                                                                      مالك في " الموطأ " : عن يحيى بن سعيد أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان : هلم إلى الأرض المقدسة . فكتب إليه : إن الأرض لا تقدس أحدا ، وإنما يقدس المرء عمله . وقد بلغني أنك جعلت طبيبا ، فإن كنت تبرئ ، فنعما لك ، وإن كنت متطببا فاحذر أن تقتل إنسانا ، فتدخل النار . فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ، ثم أدبرا عنه ، نظر إليهما ، وقال : متطبب والله ، ارجعا أعيدا علي قصتكما .

                                                                                      أبو عبيدة بن معن : عن الأعمش ، عن أبي البختري قال : جاء الأشعث بن قيس وجرير بن عبد الله ، فدخلا على سلمان في خص ، فسلما وحيياه ، ثم قالا : أنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : لا أدري . فارتابا ، قال : إنما صاحبه من دخل معه الجنة . قالا : جئنا من عند أبي الدرداء ، قال : فأين هديته ؟ قالا : ما معنا هدية . قال : اتقيا الله ، وأديا الأمانة ، ما أتاني أحد من عنده إلا بهدية ، قالا : لا ترفع علينا هذا ، إن لنا أموالا فاحتكم ، قال : ما أريد إلا الهدية ، قالا : والله ما بعث معنا بشيء إلا أنه قال : إن فيكم رجلا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خلا به ، لم يبغ غيره ، فإذا أتيتماه ، فأقرئاه مني السلام . قال : فأي هدية كنت أريد منكما غير هذه ؟ وأي هدية أفضل منها ؟

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية