الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      رزق الله

                                                                                      ابن الإمام أبي الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن الهيثم بن عبد الله ، وكان اسمه عبد اللات ، قيل : له صحبة ، وهو ابن [ ص: 610 ] الهيثم بن عبد الله بن الحارث ، الشيخ الإمام المعمر الواعظ رئيس الحنابلة أبو محمد التميمي البغدادي .

                                                                                      ولد سنة أربعمائة وقيل : سنة إحدى .

                                                                                      وعرض القرآن على أبي الحسن بن الحمامي ، وأقرأ ببعض السبع .

                                                                                      وسمع من : أبيه ، وأبي الحسين أحمد بن محمد بن المتيم وأبي عمر بن مهدي ، وأبي الحسين بن بشران ، والحمامي ، وابن الفضل القطان ، وعدة .

                                                                                      حدث عنه خلق كثير منهم : أبو عامر محمد بن سعدون العبدري ، وابن طاهر المقدسي ، وأبو علي بن سكرة ، وإسماعيل بن محمد التيمي ، وعبد الوهاب الأنماطي ، وأبو سعد بن البغدادي ، وهبة الله بن طاوس ، ومحمد بن ناصر ، وأبو الفتح محمد بن علي بن عبد السلام الكاتب ، وأبو الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري ، وأبو بكر بن الزغواني ، وهبة الله بن أحمد الحفار ، ومحمد بن عبد الله بن العباس الحراني ، وإسماعيل بن علي بن شهريار ، والفقيه أبو عبد الله الرستمي ، وأبو الفتح بن البطي ، وعبد العزيز بن محمد الشيرازي الأدمي ، وأبو المطهر القاسم بن الفضل الصيدلاني ، وأبو جعفر محمد بن الحسن الصيدلاني ، ورجاء بن حامد المعداني ، وخلق كثير .

                                                                                      قال السمعاني : هو فقيه الحنابلة وإمامهم ، قرأ القرآن والفقه [ ص: 611 ] والحديث والأصول والتفسير والفرائض واللغة والعربية ، وعمر حتى قصد من كل جانب ، وكان مجلسه جم الفوائد ، كان يجلس في حلقة له بجامع المنصور للوعظ والفتوى ، وكان فصيح اللسان ، قرأ القرآن على الحمامي . . . إلى أن قال : وورد أصبهان رسولا في سنة ثلاث وثمانين ، وحدثنا عنه أكثر من ستين نفسا من أهلها . ثم قال : أخبرنا المشايخ الستونببغداد ، وأخبرنا أربعة عشر من غيرها ، وآخرون قالوا : أخبرنا رزق الله التميمي ( ح ) وقرأت أنا غير مرة على أحمد بن إسحاق الأبرقوهي ، أخبركم أبو بكر عبد الله بن محمد بن سابور بشيراز في سنة تسع عشرة وستمائة قراءة عليه وأنا في الخامسة ، أخبرنا عبد العزيز بن محمد الأدمي ، حدثنا رزق الله بن عبد الوهاب ، أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد الفارسي ، حدثنا محمد بن مخلد ، حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة ، حدثنا خالد بن مخلد ، عن سليمان بن بلال ، عن شريك بن أبي نمر ، عن عطاء ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله قال : من عادى لي وليا فقد أذنته بالحرب . . . وذكر الحديث .

                                                                                      أخرجه البخاري عن ابن كرامة ، فوافقناه بعلو . تفرد به ابن كرامة . [ ص: 612 ]

                                                                                      قال السمعاني : سمعت أحمد بن سعد العجلي يقول : كان شيخنا أبو محمد التميمي إذا روى هذا الحديث قال : أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون .

                                                                                      قال السلفي - فيما قرأت على أبي محمد الدمياطي - : أخبرنا ابن رواج ، أخبرنا أبو طاهر السلفي قال : رزق الله شيخ الحنابلة قدم أصبهان رسولا من قبل الخليفة إلى السلطان ، وأنا إذ ذاك صغير ، وشاهدته يوم دخوله ، وكان يوما مشهودا كالعيد ، بل أبلغ في المزيد ، وأنزل بباب القصر - محلتنا - في دار السلطان ، وحضرت في الجامع الجورجيري مجلسه متفرجا ، ثم لما قصدت للسماع قال لي أبو الحسن أحمد بن معمر اللنباني - وكان من الأثبات - : قد استجزته لك في جملة من كتبت اسمه من صبياننا . فكتب خطه بالإجازة .

                                                                                      وقال أبو غالب هبة الله قصيدة منها :

                                                                                      بمقدم الشيخ رزق الله قد رزقت أهل أصبهان أسانيدا عجيبات



                                                                                      ثم قال السلفي : وروى رزق الله بالإجازة عن أبي عبد الرحمن السلمي .

                                                                                      وقال أبو زكريا بن منده : سمعت أبا محمد رزق الله الحنبلي بأصبهان يقول : أدركت من أصحاب ابن مجاهد واحدا يقال له : أبو القاسم عبيد الله بن محمد الخفاف . قرأت عليه سورة البقرة ، وقرأها [ ص: 613 ] على ابن مجاهد ، وأدركت أيضا أبا القاسم عمر بن تعويذ من أصحاب الشبلي وسمعته يقول : رأيت أبا بكر الشبلي وقد اجتاز على بقال ينادي على البقل : يا صائم من كل الألوان . فلم يزل يكررها ويبكي ، ثم أنشأ يقول :

                                                                                      خليلي إن دام هم النفوس     على ما أراه سريعا قتل
                                                                                      فيا ساقي القوم لا تنسني     ويا ربة الخدر غني رمل
                                                                                      لقد كان شيء يسمى السرور     قديما سمعنا به ما فعل ؟



                                                                                      قال أبو علي الصدفي : قرأت على رزق الله التميمي برواية قالون ختمة ، وكان كبير بغداد وجليلها ، وكان يقول : كل الطوائف تدعيني . وسمعته يقول : يقبح بكم أن تستفيدوا منا ، ثم تذكرونا ، فلا تترحموا علينا ، رحمه الله .

                                                                                      أنبأنا أحمد بن سلامة ، عن أحمد بن طارق ، سمع أبا الكرم الشهرزوري يقول : سمعت رزق الله بن عبد الوهاب يقول : دخلت سمرقند وكان السلطان ملكشاه بها ، فرأيت أهلها يروون " الناسخ والمنسوخ " لهبة الله المفسر جدي بواسطة خمسة رجال إليه ، فقلت لهم : الكتاب معي ، ومصنفه جدي لأمي ، وقد سمعته منه ، ولكن ما أسمع كل واحد إلا بمائة دينار . فما كان الظهر حتى جاءتني خمسمائة دينار ، فسمعوه ، فلما رجعت دخلت أصبهان ، وأمليت بها . [ ص: 614 ]

                                                                                      قال السلفي : سألت المؤتمن عن رزق الله فقال : هو الإمام علما ونفسا وأبوة ، وما يذكر عنه فتحامل من أعدائه .

                                                                                      وقال أبو عامر العبدري : كان أبو محمد ظريفا لطيفا ، كثير الحكايات والملح ، ما أعلم منه إلا خيرا .

                                                                                      وقال ابن ناصر : ما رأيت شيخا ابن سبع وثمانين سنة أحسن سمتا وهديا واستقامة قامة منه ، ولا أحسن كلاما ، ولا أظرف وعظا ، وأسرع جوابا منه . فلقد كان جمالا للإسلام - كما لقب - وفخرا لأهل العراق خاصة ، ولجميع البلاد عامة ، ما رأينا مثله ، وكان مقدما وهو ابن عشرين سنة ، فكيف اليوم ؟ وكان ذا قدر رفيع عند الخلفاء .

                                                                                      وقال إسماعيل بن أبي سعد شيخ الشيوخ : كان رزق الله إذا قرأ عليه ابن الخاضبة هذا الحديث - يعني حديث : من عادى لي وليا - أخذ خده ، وقرصه ، وقال : يا أبا بكر ينبت تحت حبكم من ذا شيء . أنبئت عن ابن الأخضر ، أخبرنا الزاغوني ، أنشدنا رزق الله لنفسه : لا تسألاني عن الحي الذي بانا فإنني كنت يوم البين سكرانا يا صاحبي على وجدي بنعمانا هل راجع وصل ليلى كالذي كانا ما ضرهم لو أقاموا يوم بينهم بقدر ما يلبس المحزون أكفانا [ ص: 615 ]

                                                                                      وقال هبة الله بن طاوس : أنشدنا رزق الله لنفسه وما شنآن الشيب من أجل لونه ولكنه حاد إلى البين مسرع إذا ما بدت منه الطليعة أذنت بأن المنايا خلفها تتطلع فإن قصها المقراض صاحت بأختها فتظهر تتلوها ثلاث وأربع وإن خضبت حال الخضاب لأنه يغالب صبغ الله والله أصبغ إذا ما بلغت الأربعين فقل لمن يودك فيما تشتهيه ويسرع هلموا لنبكي قبل فرقة بيننا فما بعدها عيش لذيذ ومجمع وخل التصابي والخلاعة والهوى وأم طريق الخير فالخير أنفع وخذ جنة تنجي وزادا من التقى وصحبة مأمون فقصدك مفزع

                                                                                      قال ابن ناصر : توفي شيخنا أبو محمد التميمي في نصف جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ودفن في داره بباب المراتب ، ثم نقل فدفن في سنة إحدى وتسعين إلى جانب قبر الإمام أحمد بن حنبل .

                                                                                      ومات معه أبو الفضل بن خيرون المحدث ، وأمير الجيوش بدر بمصر ، والسلطان تاج الدولة تتش السلجوقي وشيخ المعتزلة [ ص: 616 ] أبو يوسف القزويني والفضل بن أحمد بن أبي حرب أبو القاسم الجرجاني والوزير ظهير الدين أبو شجاع محمد بن الحسين الروذراوري والمعتمد بن عباد صاحب الأندلس في السجن ، ومحمد بن علي البغوي الدباس ، وقاضي بغداد أبو بكر محمد بن المظفر الشامي والحميدي المحدث ونجيب بن ميمون الواسطي بهراة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية