الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ طرد المنافقين من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ]

وكان هؤلاء المنافقون يحضرون المسجد فيستمعون أحاديث المسلمين ، ويسخرون ويستهزئون بدينهم ، فاجتمع يوما في المسجد منهم ناس ، فرآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون بينهم ، خافضي أصواتهم ، قد لصق بعضهم ببعض ، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجوا من المسجد إخراجا عنيفا ، فقام أبو أيوب ، خالد بن زيد بن كليب ، إلى عمرو بن قيس ، أحد بني غنم بن مالك بن النجار - كان صاحب آلهتهم في الجاهلية فأخذ برجله فسحبه ، حتى أخرجه من المسجد ، وهو يقول : أتخرجني يا أبا أيوب من مربد بني ثعلبة ثم أقبل أبو أيوب أيضا إلى رافع بن وديعة ، أحد بني النجار فلببه بردائه ثم نتره نترا شديدا ، ولطم وجهه ، ثم أخرجه من المسجد ، وأبو أيوب يقول له : أف لك منافقا خبيثا : أدراجك يا منافق من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال ابن هشام : أي ارجع من الطريق التي جئت منها . قال الشاعر :

:


فولى وأدبر أدراجه وقد باء بالظلم من كان ثم

وقام عمارة بن حزم إلى زيد بن عمرو ، وكان رجلا طويل اللحية ، فأخذ بلحيته فقاده بها قودا عنيفا حتى أخرجه من المسجد ، ثم جمع عمارة يديه فلدمه بهما في صدره لدمة خر منها .

قال : يقول : خدشتني يا عمارة ؛ قال : [ ص: 529 ] أبعدك الله يا منافق ، فما أعد الله لك من العذاب أشد من ذلك ، فلا تقربن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال ابن هشام : اللدم : الضرب ببطن الكف . قال تميم بن أبي بن مقبل :

:


وللفؤاد وجيب تحت أبهره     لدم الوليد وراء الغيب بالحجر

قال ابن هشام : الغيب : ما انخفض من الأرض . والأبهر : عرق القلب .

قال ابن إسحاق : وقام أبو محمد ، رجل من بني النجار ، كان بدريا ، وأبو محمد مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار إلى قيس بن عمرو بن سهل ، وكان قيس غلاما شابا ، وكان لا يعلم في المنافقين شاب غيره ، فجعل يدفع في قفاه حتى أخرجه من المسجد . وقام رجل من بلخدرة بن الخزرج ، رهط أبي سعيد الخدري ، يقال له : عبد الله بن الحارث ، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراج المنافقين من المسجد إلى رجل يقال له : الحارث بن عمرو ، وكان ذا جمة ، فأخذ بجمته فسحبه بها سحبا عنيفا ، على ما مر به من الأرض ، حتى أخرجه من المسجد . قال : يقول المنافق : لقد أغلظت يا ابن الحارث ، فقال له ؛ إنك أهل لذلك ، أي عدو الله لما أنزل الله فيك ، فلا تقربن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنك نجس . وقام رجل من بني عمرو بن عوف إلى أخيه زوي بن الحارث ، فأخرجه من المسجد إخراجا عنيفا ، وأفف منه ، وقال : غلب عليك الشيطان وأمره . فهؤلاء من حضر المسجد يومئذ من المنافقين ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية