الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة [ بيع الحيوان الحي بالمذبوح ]

واختلفوا من هذا الباب في بيع الحيوان بالميت على ثلاثة أقوال : قول إنه لا يجوز بإطلاق ، وهو قول الشافعي ، والليث ; وقول إنه يجوز في الأجناس المختلفة التي يجوز فيها التفاضل ، ولا يجوز ذلك في المتفقة ( أعني : الربوية ) ، لمكان الجهل الذي فيها من طريق التفاضل ، وذلك في التي المقصود منها الأكل ، وهو قول مالك ، فلا يجوز شاة مذبوحة بشاة تراد للأكل ، وذلك عنده في الحيوان المأكول ، حتى أنه لا يجيز الحي بالحي إذا كان المقصود الأكل من أحدهما ، فهي عنده من هذا الباب ، ( أعني : أن امتناع ذلك عنده من جهة الربا ، والمزابنة ) ; وقول ثالث : إنه يجوز مطلقا ، وبه قال أبو حنيفة .

[ ص: 506 ] وسبب الخلاف معارضة الأصول في هذا الباب لمرسل سعيد بن المسيب ، وذلك أن مالكا روى عن زيد بن أسلم ، عن سعيد بن المسيب : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الحيوان باللحم " فمن لم تنقدح عنده معارضة هذا الحديث لأصل من أصول البيوع التي توجب التحريم قال به . ومن رأى أن الأصول معارضة له وجب عليه أحد أمرين : إما أن يغلب الحديث فيجعله أصلا زائدا بنفسه ، أو يرده لمكان معارضة الأصول له . فالشافعي غلب الحديث ، وأبو حنيفة غلب الأصول ، ومالك رده إلى أصوله في البيوع ، فجعل البيع فيه من باب الربا ، ( أعني : بيع الشيء الربوي بأصله ) ، مثل بيع الزيت بالزيتون . وسيأتي الكلام على هذا الأصل ، فإنه الذي يعرفه الفقهاء بالمزابنة ، وهي داخلة في الربا بجهة ، وفي الغرر بجهة ، وذلك أنها ممنوعة في الربويات من جهة الربا ، والغرر ، وفي غير الربويات من جهة الغرر فقط ، الذي سببه الجهل بالخارج عن الأصل .

التالي السابق


الخدمات العلمية