الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فتمنوا الموت إن كنتم صادقين

فتمنوا الموت إن كنتم صادقين

فتمنوا الموت إن كنتم صادقين

خاطب القرآن الكريم يهود بالحجة والبرهان، ودعاهم إلى القبول بدين الإسلام، فلما أبوا الإسلام ديناً، وانتهجوا الفساد مسلكاً، وأصروا على العناد والتكبر والعتو في الأرض، أعلن للملأ حقيقة أمرهم، وكشف عن عدائهم لدين الإسلام وأهله.

ومن الآيات التي أخبرنا بها القرآن عن بعض ادعاءات يهود وتقولاتهم، ما جاء في قوله تعالى: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} (البقرة:94). فالآية الكريمة تحاجج يهود في دعواهم خلوص الجنة لهم دون غيرهم. نسعى من خلال هذه السطور إلى الوقوف على سبب نزول هذه الآية، لينكشف لنا حقيقة المراد منها.

ورد في سبب نزول هذه الآية ثلاث روايات:

الأولى: ما رواه الطبري عن قتادة وغيره، أن اليهود لما قالوا: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى} (البقرة:111)، نزل قوله تعالى: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين}.

الثانية: ذكر ابن الجوزي في تفسيره "زاد المسير"، أن اليهود كانت تزعم أن الله تعالى لم يخلق الجنة إلا لإسرائيل وولده، فنزلت هذه الآية.

الثالثة: ذكر الآلوسي في "تفسيره" عن أبي العالية والربيع، أن سبب نزول الآية قول اليهود: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى}، وقولهم: {نحن أبناء الله وأحباؤه} (المائدة:18)، وقولهم: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} (البقرة:80).

والروايات الثلاث متقاربة، لا تعارض بينها، وهي توضح أن سبب نزول هذه الآية ما كان من أمر اليهود وادعائهم أنهم المستحقون لدخول الجنة دون غيرهم، وأنهم المقربون إلى الله دون سواهم، وأن عذاب النار لن يمسهم إلا أياماً معدودة، فنزلت هذه الآية لتوضح حقيقة الأمر، وتكشف بطلان دعوى يهود، وتحرجهم أشد الحرج، حين تطلب منهم إن كانوا صادقين في دعواهم أن يتمنوا الموت؛ لأن المؤمن حق الإيمان لا يخشى الموت ولا يهابه، بل يكون لقاء الله أحب إليه من كل شيء سواه، بيد أنهم أمام هذه الحقيقة، لم يستطيعوا جواباً، ولم يقدموا برهاناً على صدق دعواهم.

والحقيقة التي لا مراء فيها، أن الآية الكريمة وإن كانت تخبر عن اليهود المعاصرين لنزول الوحي، بيد أنها تشمل أيضاً اليهود الذين يأتون بعد يهود عصر النزول، ومنهم يهود اليوم؛ إذ لا يعرف أن يهودياً تمنى الموت إلى اليوم، وفي هذا ما يدل على صدق القرآن الكريم، وصدق نبي القرآن صلى الله عليه وسلم.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة