الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دفن الميت ليلاً بين الجواز والمنع

السؤال

ماحكم دفن الموتى في الليل؟ هل يجوز دفن الميت الذي مات بعد صلاة المغرب في الظلام؟ أم أنه يجب الانتظار حتى الصباح ودفنه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ‏

فإن دفن الموتى في الليل مختلف فيه بين العلماء، فمنهم من قال بجوازه بلا كراهة، ومنهم ‏من قال: إنه مكروه. وذهب ابن حزم إلى تحريمه كما في المحلى، وتبعه الألباني في أحكام ‏الجنائز، ومما يدل على الجواز بلا كراهة ما رواه أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله ‏عنه قال: (رأى ناس ناراً في المقبرة فأتوها، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر، ‏وإذا هو يقول: " ناولني صاحبكم، فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر.)
قال الإمام ابن القيم: هذه النار كانت للإضاءة، ولهذا ترجم عليه أبو داود: الدفن بالليل. ‏قال الإمام أحمد: لا بأس بذلك، وقال: أبو بكر دفن ليلاً، وعلي دفن فاطمة ليلاً، وحديث ‏عائشة: " سمعنا صوت المساحي من آخر الليل في دفن النبي صلى الله عليه وسلم" وممن ‏دفن ليلاً: عثمان، وعائشة وابن مسعود، ورخص فيه عقبة بن عامر، وابن المسيب، ‏وعطاء، والثوري، والشافعي، وإسحاق. وكرهه الحسن، وأحمد في إحدى الروايتين… وفي ‏الصحيحين عن ابن عباس قال: " مات إنسان، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏يعوده، فمات بالليل فدفنوه ليلاً، فلما أصبح أخبروه. فقال: ما منعكم أن تعلموني؟ ‏فقالوا: كان الليل وكرهنا - وكانت ظلمة- أن نشق عليك فأتى قبره،فصلى عليه".أهـ
ومما يدل على كراهة الدفن ليلاً حديث جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً ‏من أصحابه قبض، فكفن في كفن غير طائل، وقبر ليلاً، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم ‏أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك) رواه مسلم قال ‏النووي معقباً، ( فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة، وهذا الحديث مما يستدل له به، ‏وقال جماهير العلماء من السلف والخلف لا يكره…) كما نقل النووي الإجماع على ‏جواز الدفن ليلاً، فقال عند حديث ( إن علياً دفن فاطمة رضي الله عنها ليلاً): فيه جواز ‏الدفن ليلاً، وهو مجمع عليه، لكن النهار أفضل إذا لم يكن عذر. انظر صحيح مسلم ‏بشرح النووي كتاب الجهاد.‏
والراجح هو ما قاله الإمام ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود: (والذي ينبغي أن يقال في ‏ذلك -والله أعلم- أنه متى كان الدفن ليلاً لا يفوت به شيء من حقوق الميت، والصلاة ‏عليه، فلا بأس به، وعليه تدل أحاديث الجواز، وإن كان يفوت بذلك حقوقه والصلاة ‏عليه وتمام القيام عليه، نهي عن ذلك، وعليه يدل الزجر، وبالله التوفيق).‏
وبناء على ما تقدم نقول -للسائل الكريم- إنه إذا كان إبقاء الميت ليلاً إلى الصباح لا ‏يؤدي إلى تغيره، ورجي من ذلك أيضاً تكثير المصلين عليه فدفنه بالنهار أفضل، وإذا لم ‏يوجد من يصلي عليه ليلاً، أو لم توجد إضاءة ولم يخش تغيره إن ترك إلى الصباح انتظر به حتى يدفن نهاراً، وإذا توفر عدد لا بأس به للصلاة عليه، وتوفرت ‏الإضاءة جاز دفنه بالليل بلا كراهة.‏
والله أعلم.‏

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني