الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحد الفاصل بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان

السؤال

أرجو أن تتكرم فضيلتك بإفادتي بالإجابة عن هذا السؤال لأني في أمس الحاجة على إجابة مفصلة وافية له.. هناك شخص قريب مني كان صوفيا, ولكن ولله الحمد أعانني الله على أن أبين له خطأ الصوفية, واكتشفت أنه لم يكن يعلم شيئا عن عقائد الصوفية -ومنهم شيخه- الباطلة من الاستغاثة بالأموات وطلب المدد وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقسم الأرزاق وأن الأولياء يتصرفون في الكون ويعلمون الغيب واعتقاد بعضهم أن فرعون مؤمن ونحو ذلك، ولما علمها أعرض عنها وترك الصوفية وصار مقتنعا بضلالهم وباطلهم... ولكن ما يؤرقني ويؤرقه, هو أن شقيق هذا الشخص وهو صوفي أكثر منه ويؤمن بكل بهذه الاعتقادات تقريبا ولكن لم تأتني الفرصة للحديث معه، تأتي له رؤى واضحة تقول له أن يثبت على الطريق الصوفي, وأن الصواب فيه والخطأ خارجه، وللعلم فشقيقه هذا أنا أعلم ومتأكد يقينا أن نيته جميلة جداً وطيبة جداً ولكن لم يجد من ينصحه, وعنده من الإخلاص الكثير جداً ولكن شيخه يضلله ويخبره بأحاديث باطلة وموضوعة ولكنه يثق فيه ثقة عمياء تماما للأسف، كما أن شيخه كثيراً ما تأتي له رؤيا تخبره بشيء ما سوف يحدث, أو أن الولي الذي يعتقد فيه، وبالمناسبة هو أحمد البدوي، له خط معه ويراه في المنام ويخبره بشيء سيحدث وبالفعل يحدث, وربما كان هذا الشيء سيحدث لقريبي هذا أو يخصه وبالفعل يقع أو يكون صحيحا، وهذا الشيخ كثيراً ما يخبر هذا الشخص بما في صدره ويكون صحيحا، وعندما يقول لي هذا أقول له إن الشياطين كثيراً ما تساعد أتباعها كما هو معروف من أن الشياطين تصعد فوق بعضها لتطلع على أمر من الغيب وتخبر الكاهن به، (وكنت قد سمعت الشيخ أبا إسحق الحويني يقول ذلك) فهل أنا مصيب في ذلك، وماذا أقول له في تلك الموضوعات وهو يقول لي إنه جربها شخصيا وحدثت مراراً وتكراراً، وما الرد المفصل على ذلك يا فضيلة الشيخ؟ وجزاك الله عني وعن كل مسلم كل الخير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلم أيها السائل الكريم أن علم الغيب نوعان: غيب مطلق لا يعلمه إلا الله كعلم وقت قيام الساعة، وغيب نسبي قد يطلع الله بعض عباده عليه، وأما الرؤيا الصالحة فهي ما يراه الشخص الصالح في منامه من المبشرات، وهي من إكرام الله لعباده الصالحين، والإلهامات الإلهية تحصل لمن كان مستقيم الظاهر والباطن على شرع الله تعالى، وهناك الإيحاءات الشيطانية التي تحصل لأولياء الشيطان من المبتدعة والمنحرفين عن شرع الله.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قال المهلب: فالناس على هذا ثلاث درجات: الأنبياء ورؤياهم كلها صدق، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير.. والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق، وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير.. ومن عداهم يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث.. وقال القرطبي: المسلم الصادق الصالح هو الذي يناسب حاله حال الأنبياء فأكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء وهو الاطلاع على الغيب. وأما الكافر، والفاسق، والمخلط: فلا، ولو صدقت رؤياهم أحياناً، فذاك كما قد يصدق الكذوب، وليس كل حديث عن غيب يكون خبره من أجزاء النبوة كالكاهن والمنجم. انتهى.

فمن الوارد أن يرى الكافر والفاسق رؤيا صادقة، ولكن الرؤيا الصادقة ليست وحدها دليلاً على الولاية والصلاح، فطريق الولاية في الكتاب والسنة هو المحافظة على الفرائض والحرص على النوافل، والتحقق بمقامات الإيمان، والتزين بلباس التقوى، لأن الكافر قد يرى رؤيا صادقة كما في قصة صاحبي السجن الذين سألا يوسف عليه السلام عن رؤياهما فعبرها لهما، وكما في قصة ملك مصر الذي رأى رؤيا وعبرها له يوسف.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وقد اتفق أهل المعرفة والتحقيق أن الرجل لو طار في الهواء، أو مشى على الماء، لم يتبع إلا أن يكون موافقاً لأمر الله ورسوله، ومن رأى من رجل مكاشفة أو تأثيراً فاتبعه في خلاف الكتاب والسنة كان من جنس أتباع الدجال، فإن الدجال يقول للسماء: أمطري فتمطر، ويقول للأرض أنبتي فتنبت، ويقول للخربة أخرجي كنوزك فتخرج معه كنوز الذهب والفضة، ويقتل رجلا ثم يأمره أن يقوم فيقوم، وهو مع هذا كافر ملعون عدو لله، ... وقال صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجال كذابون، كلهم يزعم أنه رسول الله. وقال صلى الله عليه وسلم: يكون بين يدي الساعة كذابون دجالون، يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم. هؤلاء تنزل عليهم الشياطين وتوحي إليهم، كما قال تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ* تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ* يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ... ومن لم يفرق بين الأحوال الشيطانية والأحوال الرحمانية كان بمنزلة من سوى بين محمد رسول الله وبين مسيلمة الكذاب، فإن مسيلمة كان له شيطان ينزل عليه ويوحي إليه.. والأصل في هذا الباب: أن يعلم الرجل أن أولياء الله هم الذين نعتهم الله في كتابه. حيث قال: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ. فكل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً. انتهى.. وللمزيد من الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4445، 5416، 8138، 69832، 78699، 78900.

فننصحك بالاجتهاد في نصح صديقك، وبيان أنه لا تخلو غالباً فرقة من فرق الصوفية اليوم من انحراف في العقيدة، وزيغ عن الحق، ومخالفة للهدي، فتكثر فيهم الشركيات كدعاء غير الله، والاستغاثة بالأموات، واعتقاد النفع والضر فيمن يسمونهم أولياء، وكل هذه الأمور شرك أكبر يخرج معتقده عن الملة، ويمكنك الاستفادة من الفتوى رقم: 102883 وما أحيل عليه فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني