الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبب حدوث خوارق العادات للكفار والحكمة منه

السؤال

فضيلة الشيخ: قبل أيام تم بث فيلم وثائقي في إحدى القنوات التابعة للتلفزيون الإيراني، عن حياة الرجل النصراني الذي يضل في الغابة، وبعد ثلاثة أسابيع لما يئس من الخروج من الغابة والنجاة من ذلك الموقف، توقف عن البحث ونام، وعندما استيقظ رأى امرأة معها رضيع في حضنها واقفة فوق رأسه، وبأصبعها تدل على الجهة التي يستطيع أن يخرج بمتابعتها من الغابة.
هذا الفيلم قد زرع بذور الفتنة والشك في أفئدة بعض الناس، ويقولون: كيف يمكن أن مثل هذه الأمور (التي تشبه المعجزات) تتحقق للكفار؟
وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فنقول ابتداءً: لا يستغرب من أهل البدع أن يروجوا للباطل سواء بأفلامهم، أو أقلامهم، أو غير ذلك، ثم إنه لا يُسْتَغْرَبُ أيضا أن يحصل شيء من خوارق العادة للكافر، فالأمور الخارقة للعادة ربما تحصل للكافر عن طريق الشياطين، وتكون استدراجا له، ومَدًّا له في غيه وطغيانه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وَهَذِهِ الْأُمُورِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ صَاحِبُهَا وَلِيًّا لِلَّهِ، فَقَدْ يَكُونُ عَدُوًّا لِلَّهِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْخَوَارِقَ تَكُونُ لِكَثِيرِ مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ، وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَتَكُونُ لِأَهْلِ الْبِدَعِ، وَتَكُونُ مِنْ الشَّيَاطِينِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، أَنَّهُ وَلِيٌّ لِلَّهِ؛ بَلْ يُعْتَبَرُ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ بِصِفَاتِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، وَأَحْوَالِهِمْ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَيُعْرَفُونَ بِنُورِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ، وَبِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ الْبَاطِنَةِ، وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ. اهــ.

وقال في الفتاوى المصرية: قد تصدر بعض الخوارق من الْكَشْف وَغَيره من الْكفَّار والسحرة، بمؤاخاتهم للشياطين، كَمَا ثَبت عَن الدَّجَّال أَنه يَقُول للسماء أمطري فتمطر، وللأرض أنبتي فتنبت، وَأَنه يقتل وَاحِدًا ثمَّ يحييه، وَأَنه يخرج خَلفه كنوز الذَّهَب وَالْفِضَّة. وَلِهَذَا أتفق أَئِمَّة الدّين على أَن الرجل لَو طَار فِي الْهَوَاء، وَمَشى على المَاء، لم يثبت لَهُ ولَايَة، بل وَلَا إِسْلَام، حَتَّى ينظر وُقُوفه عِنْد الْأَمر وَالنَّهْي الَّذِي بعث الله بِهِ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. اهـ.
وننبه إلى أنه لا يجوز للمسلم أن يتفرج على الأفلام التي فيها شيء من المحرمات كالموسيقى، أو النساء الكاشفات ونحوها ولو كانت أفلاما وثائقية، كما ينبغي أن يحذر المسلمُ الذي ليس على بصيرة من أمره، وليس عنده علمٌ يدفع به الشبهات، ليحذر من رؤية أو استماع ما يُدْخِلُ إلى قلبه الشبهات، فتُفْسِدُ عليه دينه وآخرته، وقد رغبنا النبي صلى الله عليه وسلم في الابتعاد عن الشبهات وأهلها، فقال عليه الصلاة والسلام : «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ، فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ، مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ»، أَوْ «لِمَا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ» رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.

قال ابن بطة العكبري في الإبانة الكبرى، عقب هذا الحديث: هَذَا قَوْلُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ, فَاللَّهَ اللَّهَ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ, لَا يَحْمِلَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ حُسْنُ ظَنِّهِ بِنَفْسِهِ, وَمَا عَهِدَهُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِصِحَّةِ مَذْهَبِهِ عَلَى الْمُخَاطَرَةِ بِدِينِهِ فِي مُجَالَسَةِ بَعْضِ أَهْلِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ, فَيَقُولُ: أُدَاخِلُهُ لِأُنَاظِرَهُ, أَوْ لِأَسْتَخْرِجَ مِنْهُ مَذْهَبَهُ, فَإِنَّهُمْ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنَ الدَّجَّالِ, وَكَلَامُهُمْ أَلْصَقُ مِنَ الْجَرَبِ, وَأَحْرَقُ لِلْقُلُوبِ مِنَ اللَّهَبِ, وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَمَاعَةً مِنَ النَّاسِ كَانُوا يَلْعَنُونَهُمْ, وَيَسُبُّونَهُمْ, فَجَالَسُوهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ, وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ, فَمَا زَالَتْ بِهِمُ الْمُبَاسَطَةُ وَخَفْيُ الْمَكْرِ, وَدَقِيقُ الْكُفْرِ حَتَّى صَبَوْا إِلَيْهِمْ. اهــ.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني