الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحجة في الدليل صحته وثبوته وليست في قلة أو كثرة القائلين به

السؤال

قرأت أن جميع المذاهب الأربعة وجمهور العلماء يجيزون بيع و شراء القطط. لماذا تخالفون الإجماع وتقولون بخلاف ذلك. أليس مخالفة إجماع أهل العلم على شيء واعتماد رأي وحيد (مذهب الظاهرية) خطأ ؟ ولماذا هم أصلا أجازوا بيع وشراء القطط وأنتم قلتم بحرمتها ؟ فأرجو التوضيح لي لأني أرى أن جميع جمهور العلماء أفتوا بالجواز وأنت تخالفون الجميع و تقولون بالحرمة. وفي النهاية هل أصلا هذا المال الناتج من بيع القطط يعتبر حلالا على رأي الإجماع؟ أم يعتبر من الشبهات لأنها مسألة خلافية؟ أرجو التوضيح والرد.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالواجب على كل مسلم إذا تبينت له سنة النبي صلى الله عليه وسلم ألا يدعها لقول أحد من الناس، قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس. اهـ

وقد ورد مثل هذا القول عن كبار الأئمة بألفاظ مختلفة، وينبغي أن يعلم أن الأئمة الكبار لم يتعمدوا مخالفة الدليل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته المعروفة بـ (رفع الملام عن الأئمة الأعلام): وليعلم أنه ليس لأحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولا عاما أن يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلا بد له من عذر في تركه. فمتى ظهر الدليل وجب الأخذ به ولا يجوز العدول عنه، ولا عذر لأحد عند الله في اتباع قول يعلم أن الدليل ثابت بخلافه، ومن فعل ذلك لحقه نصيب من الذم المذكور في قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه {التوبة:31 } قال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقا على الآية: فمن أطاع أحدا في دين لم يأذن الله به من تحليل أو تحريم أو استحباب أو إيجاب فقد لحقه من هذا الذم نصيب كما يلحق الآمر الناهي، ثم قد يكون كل منهما معفواً عنه فيتخلف الذم لفوات شرطه أو وجود مانعه وإن كان المقتضي له قائما، ويلحق الذم من تبين له الحق فتركه أو قصر في طلبه فلم يتبين له، أو أعرض عن طلبه لهوى أو كسل ونحو ذلك. انتهى.

إذا ثبت هذا فاعلم أن مذهب جمهور العلماء على جواز بيع السنور، وذهب بعض أهل العلم إلى تحريمه، وحكاه ابن المنذر عن أبي هريرة ومجاهد وجابر بن زيد، وحكاه المنذري عن طاووس.

وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 18327. والقول بتحريم بيع السنور هو الراجح الذي يدل عليه الحديث، ومال إلى هذا القول جماعة من المحققين كالإمام ابن القيم وابن رجب الحنبلي والشوكاني.

وننبهك إلى أنه لا يوجد إجماع على جواز بيع الهر ؛ لأن الإجماع هو: اتفاق جميع العلماء المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في أي عصر من العصور على أمر ديني. والعلماء قد اختلفوا في هذه المسألة كما هو مبين في الفتوى المحال علها.

وإجماع الأئمة حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة. فلا يجوز للمسلم أن يخالف الإجماع المتفق على أنه إجماع.

كما ننبهك على أن الخروج من الخلاف بالأخذ بالأحوط في الأحكام الشرعية مستحب، ويكون الخروج من الخلاف بفعل ما اختلف في وجوبه، وترك ما اختلف في تحريمه، وذلك اتقاء للشبهة.

أما المال الناتج من بيع القطط فهو محرم على القول بتحريم هذا النوع من البيع، لكن صاحبه إذا كان قد تجر في القطط مقلدا لمن يقول بالحلية فلا حرج عليه في الاستفادة من هذا المال.

ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 28730، 4325، 59981، 71228.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني