الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المعتبر في المفاضلة بين بلاد الكفر وبلاد الإسلام

السؤال

ماذا تقولون لأناس يجزمون أن العيش في فرنسا أصبح أفضل من العيش في بلدهم ـ الجزائر؟ ويقولون إن الفرنسيين أصبحوا يعاملون الناس بمعاملة الإسلام وأنهم متصفون ببعض صفات المسلمين، بينما في الجزائر وبلاد العرب انتشر الظلم والغش والخداع وصعبت المعيشة بسبب عدم وجود العمل والمستشفيات وما أشبه ذلك.
أرجو التفصيل في هذا الموضوع المهم جدا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا يجوز لمسلم أن يهاجر إلى ديار الكفر لما يترتب على ذلك من محاذير جسيمة ومخاطر عظيمة، منها: التأثير السلبي على العقيدة بموالاتهم محبة وإعجاباً بهم، لما يرى مما عندهم من زهرة الحياة الدنيا وزينتها مما لا يزن عند الله جناح بعوضة.

ومنها: أنه قد يخف عنده الشعور بالكراهية لما هم عليه من كفر بالله تعالى ومنكرات وانحلال.

ومنها: أنه يعرض ذريته للفساد وغير ذلك مما سبق أن بيناه في الفتوى رقم: 2007.

فالإقامة بالبلاد الإسلامية بين أظهر المسلمين أولى وأحسن ـ بلا شك ـ من العيش في بلاد الكفار وبين أظهر الكافرين، إلا إنه قد توجد حالات لبعض الأشخاص يكون عيشه في بلاد الكفار أفضل له من بلاد المسلمين لظروف وملابسات خاصة، كما هي الحال في الأسرة المسئول عنها في الفتوى رقم: 17601. وذلك باعتبار التمكن من إقامة شعائر الدين وأمن الفتنة والقدرة على تنشئة الأبناء تنشئة إسلامية وغير ذلك مما يهتم به المسلم طاعة لله وطلبا لمرضاته، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 47032.

وعلى ذلك، فينبغي أن نفصل بين الحكم على ديار الكفر من حيث الأصل والجملة ومقارنتها ببلاد المسلمين، وبين الحكم على ظروف بعض الناس وما قد يتيسر عليهم تحصيله من الإعانة على إقامة دينهم في بعض بلاد الكفر، مقارنة بأوضاع بعض بلاد المسلمين، ففي الحال الأولى لا تصح المقارنة، فديار الإسلام هي العليا بلا شك، ودرجة ذلك تقاس بحسب ما فيها من التمسك بالإسلام، حتى ولو عانت من الفقر والمرض ونحو ذلك وديار الكفر هي السفلى، حتى ولو كان أهلها أرفه الناس وأرغدهم عيشا، فالمعتبر في المفاضلة هو ظهور طاعة الله أو معصيته، ولا شك أن الكفر هو أشد المعاصي والمنكرات خطرا، وأن التوحيد هو أعظم الحسنات والطاعات قدرا، ثم شعائر الإسلام كلهما على إثر ذلك.

ثم ننبه على أن الغربيين من أولى الناس بقوله تعالى: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ {الروم : 7}.

والإعجاب بما عندهم من وسائل الحياة ومظاهرها وغص النظر عما هم عليه من الكفر والانحلال والمنكرات المتفشية، إنما هو بسبب الغفلة وإيثار الدنيا الفانية والانشغال بها عن الآخرة الباقية.

وقد قال الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ*أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ* لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ*ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ{النحل: 110،109،108،107}.

وقال عز من قائل: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ {الحديد : 20}.

وقال سبحانه: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ*أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ {القصص:61،62}.

وقال عز وجل: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ*أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{هود:16،15}.

وقال تبارك وتعالى: وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى*وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى {طه:132،131}.

وقال: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ {الرعد : 26}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني