الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يبطل النكاح إذا ادعت أنها بكر ولم تكن كذلك

السؤال

ما حكم الزوجة التي تزوجت على أنها بكر وليست ببكر؟ وهل زواجها باطل؟ وهل تكون سنوات الزواج الماضية التي عاشتها، عاشتها في الحرام؟ والعياذ بالله ـ مع العلم أنها قد تابت وعاشت مع زوجها الجديد حياة مستقيمة محترمة، ولكن الشعور الرهيب بالذنب، وأنها قامت بعملية الغشاء ولم يكن أي مخلوق يعلم هذا الموضوع إلا هي، فماذا تفعل؟ وهل تخبر زوجها؟ أم تسعى للطلاق منه؟ أعلم أن السؤال شائك جدا، ولكنها فتاة حرمت نفسها من الزواج عشر سنوات حتى لا تغش أحدا وتابت إلى الله وقد عاشت كزوجة مع رجل خدعها ولن أحكي الظروف، فلا أعذار في الأخطاء، وهذه جريمة وليست بالخطإ.
أرجوكم أفيدوني.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهذا الزواج صحيح وعلاقتك بزوجك الحالي علاقة شرعية لا حرج فيها وواجب عليك أن تكتمي ما حدث عن زوجك وغيره ولا تخبري به أحدا, وعليك أن تستغفري الله وتتوبي إليه مما كان منك من فعل الفاحشة ومن ترقيع غشاء البكارة.

فتزوج الثيب على أنها بكر لا يؤثر على صحة العقد، ولكن يؤثر أحيانا في ثبوت الخيار للزوج، وبيان ذلك أن زواجها هذا لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن يشترط الرجل أن تكون بكرا، فيجب حينئذ بيان ذلك، وإذا لم تبين الفتاة ذلك، فإنها تكون غاشة وللرجل بعد ذلك الخيار في الفسخ, جاء في كشاف القناع: وإن شرطها بكرا فبانت ثيبا فله الخيار.

انتهى.

وفي حاشية الدسوقي: حاصله: أن من تزوج امرأة يظنها بكرا فوجدها ثيبا فلا رد له إلا أن يشترط أنها عذراء أو أنها بكر ووجدها قد ثيبت بنكاح، فإن اشترط البكارة ووجدها قد ثيبت بوثبة أو بزنا، فهل له الرد؟ أو ليس له الرد، لأن اسم البكارة صادق على ذلك تردد؟.

انتهى.

ولكن ينبغي أن يقطع بالرد على مذهب المالكية في خصوص البلاد المصرية، لأن أهل مصر يطلقون العذراء ويقصدون البكر والعكس, وعلى هذا، فلا يكون هناك فرق بين العذراء والبكر في مصر, وقد نبه على هذا الدردير بقوله: تردد ـ محله ما لم يجر عرف بمساواة البكر للعذراء، كما هو عندنا بمصر.

انتهى.

وخالف في ذلك الأحناف فقالوا: لا يثبت للزوج خيار في هذه الحالة, جاء في المبسوط للسرخسي: فإنه لو تزوجها بشرط أنها بكر شابة جميلة فوجدها ثيبا عجوزا شوهاء لها شق مائل وعقل زائل ولعاب سائل، فإنه لا يثبت له الخيار.

انتهى.

وفي شرح فتح القدير: وفي النكاح لو شرط وصفا مرغوبا فيه كالعذرة والجمال والرشاقة وصغر السن فظهرت ثيبا عجوزا شوهاء ذات شق مائل ولعاب سائل وأنف هائل وعقل زائل لا خيار له في فسخ النكاح به. انتهى.

الحالة الثانية: أن لا يشترط ذلك، وفي هذه الحالة لا يشترط البيان، بل إن الأفضل هو الستر والكتمان.

وفي كلتا الحالتين، فإن العقد صحيح، إلا أنه في الحالة الأولى يثبت الخيار للرجل وليس كذلك في الثانية.

يبقى بعد ذلك النظر فيما كان منك من فعل الفاحشة قبل الزواج، فإن الراجح من أقوال أهل العلم أنه لا يصح الزواج من الزانية إلا بعد توبتها، كما بيناه في الفتوى رقم: 11295.

وأنت قد ذكرت أنك تبت إلى الله سبحانه وحرمت نفسك من الزواج فترة كبيرة ولذا، فإن زواجك هذا صحيح أيضا من هذه الجهة ولا يجب عليك أن تخبري زوجك بما كان منك من فعل الفاحشة ـ بل ولا يجوز هذا أصلا ـ وعليك أن تستتري بستر الله وأن تكتمي ذلك عن جميع الناس، وأكثري من التوبة والاستغفار أن يسترك الله في الدنيا والآخرة وأن يغفر لك ذنوبك ويكفر عنك سيئاتك, ثم عليك بالإكثار من الأعمال الصالحة المكفرة من الصلاة والصيام والصدقة.

مع التنبيه على أن عملية ترقيع غشاء البكارة غير جائزة، كما بيناه في الفتوى رقم: 5047.

ولكن التوبة تجب ما قبلها والنبي صلى الله عليه وسلم قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني