الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يكفر من جلس مع من يستهزؤون بالدين ولم ينكر بلسانه

السؤال

يقول الله: وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم. هل إذا جلست مع قوم وهم يستهزئون بالدين وأنكرت بالقلب وتكاسلت عن القيام ولم أنكر بلساني رغم قدرتي- أعرف أنه حرام هل أكفر مثلهم كما تقول الآيه أم هناك اختلاف؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالكفر إنما هو لمن رضي بكفرهم. وأما من كان كارها فلا يكفر، لكنه يأثم مادام غير معذور في القعود مع تركه للإنكار.

قال القرطبي: فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله عز وجل: إنكم إذا مثلهم. فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء. وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية. انتهى.

وقال السمعاني في تفسيره: وما حكم القعود معهم ؟ أما إذا قعد معهم . . . ورضي بما يخوضون فيه ، فهو كافر مثلهم ، وهو معنى قوله : {إنكم إذا مثلهم} . وإن قعد ، ولم يرض بما يخوضون فيه ، فالأولى أن لا يقعد، ولكن لو قعد كارها ، فلا يكفر.

وقال النسفي: { إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ } [النساء : 140] أي في الوزر إذا مكثتم معهم ، ولم يرد به التمثيل من كل وجه فإن خوض المنافقين فيه كفر ومكث هؤلاء معهم معصية.

وقال ابن عاشور: وَهَذِهِ الْمُمَاثَلَةُ لَهُمْ خَارِجَةٌ مَخْرَجَ التَّغْلِيظِ وَالتَّهْدِيدِ وَالتَّخْوِيفِ، وَلَا يَصِيرُ الْمُؤْمِنُ مُنَافِقًا بِجُلُوسِهِ إِلَى الْمُنَافِقِينَ، وَأُرِيدَ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمَعْصِيَةِ لَا فِي مِقْدَارِهَا، أَيْ أَنَّكُمْ تَصِيرُونَ مِثْلَهُمْ فِي التَّلَبُّسِ بِالْمَعَاصِي. التحرير والتنوير.

وفي زاد المسير لابن الجوزي: وفي ماذا تقع المماثلة؟ فيه قولان . أحدهما: في العصيان، والثاني: في الرضا بحالهم لأن مجالس الكافر غير كافر.

وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 130930.

ومما سبق يتضح أنك آثم بذلك، وإن كنت لا تكفر. فتب إلى الله من ذلك، وكن مستعليا بإيمانك قويا شجاعا لا تخشى في الله لومة لائم، فهو سبحانه أحق أن تخشاه، وأحق أن يستحيي منه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني