الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من كان لله كما يريد كان الله له فوق ما يريد

السؤال

أنا وبفضل الله علي كنت ملتزما وأشعر بالقرب من الله والرضا، ثم بعد ذلك ركنت إلى الدنيا قليلا وأشعر بقلق دائم وضنك. فكيف السبيل دلوني أكرمكم الله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله تعالى لك الهداية والتوفيق والاستقامة.. فعلاج شكواك رحمك الله يؤخذ منها، فقد ذكرت أنك كنت على خلاف ما تشكوه، وأن ذلك حصل بسبب الركون إلى الدنيا، فالعلاج أن تتوب إلى الله وتستغفره، وتستأنف حياتك بالرجوع إلى ما كنت عليه وأفضل، وذلك أن الله تعالى برحمته وعدله لا يغير حال العبد إلا إذا غير العبد حاله، كما قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ. {لأنفال:53}. وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ. {الرعد:11}. فصلاح النفوس أو انحرافها هو أصل اعتدال الأحوال أو اعوجاجها، والله تعالى لا يسلب نعمة، ولا ينزل نقمة، ولا يحوِّل عافية، إلا بكسب العبد وعمله، فأصل كل بلية، ومبدأ كل رزية، وأساس كل مصيبة، في الدين أو الدنيا، إنما هو ذنب العبد وما جنت يداه، كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ. {الشورى:30}. أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ. {آل عمران:165}. ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي، وصححه المنذري وحسنه العراقي والبوصيري والأرنؤوط. وقد سبق لنا بيان ما يعود على العبد من آثار الذنوب والمعاصي والبعد عن الله، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 56211، 49228، 41620.

فاستعن بالله أخانا الكريم واستأنف حالك مع الله، واعلم أن الله أكرم من أن يرد عبده إذا رجع إليه، فأرِ الله من نفسك خيرا يريك الله ما تحب، وكن لله كما يريد يكن لك فوق ما تريد.

قال ابن القيم في طريق الهجرتين: عليك بالمطالب العالية والمراتب السامية التي لا تنال إِلا بطاعة الله، فإن الله عز وجل قضى أن لا ينال ما عنده إلا بطاعته، ومن كان لله كما يريد كان الله له فوق ما يريد، فمن أَقبل إِليه تلقاه من بعيد، ومن تصرف بحوله وقوته أَلان له الحديد، ومن ترك لأَجله أَعطاه فوق المزيد، ومن أَراد مراده الدينى أَراد ما يريد. ثم اسم بسرك إِلى المطلب، واقصر حبك وتقربك على من سبق فضله وإِحسانه إِليك كل سبب منك، بل هو الذي جاد عليك بالأسباب، وهيأَ لك وصرف عنك موانعها وأَوصلك بها إلى غايتك المحمودة. فتوكل عليه وحده، وعامله وحده، وآثر رضاه وحده، واجعل حبه ومرضاته هو كعبة قلبك التي لا تزال طائفاً بها، مستلماً لأركانها، واقفاً بملتزمها، فيا فوزك ويا سعادتك إِن اطلع سبحانه على ذلك من قلبك، ماذا يفيض عليك من ملابس نعمه وخلع أفضاله. اهـ.

وقد سبق لنا بيان وسائل تقوية الإيمان وتحقيق الاستقامة، وذكر نصائح لاجتناب المعاصي، وبيان شروط التوبة وبيان الأسباب المعينة على التخلص من غواية الشيطان، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 10800، 1208، 93700، 5450، 33860، 56356.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني