الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وهبت لبنتيها قبل زواجهما أرضا فهل لها الرجوع فيها

السؤال

لو سمحت لي أختان متزوجتان الآن، كانت الوالدة قد ساعدتهم بشراء قطعة أرض وقد تم تسجيل الأرض باسم الأختين وانتهى الأمر .ومر عليه سنين ولم يعترض أحد من باقي الإخوة.وفي يوم كانت الوالدة تشاهد برنامج فتاوى على أحد القنوات الفضائية وكان سؤال معروض من إحدى المشاهدات وهو أنها اشترت سيارة لأحد أبنائها فسألها الشيخ إذا كانت قد اشترت لباقي الأبناء نفس الذي اشترته. هنا فوجئنا بالوالدة تطالب الأختين بمبلغ 20000 ألف جنيه وتقول إنه حقها في الأرض لتوزعه على باقي الإخوة الذين لم يطالبوا بشيء وتقول إذا سألتم وظهر أن لها شيئا أو ليس لها هي تريد المبلغ الذي قالت عليه، لأن بعض الناس قالوا لا يحق لها شيء لأن الأختين شاركتا بمبلغ كبير. فهل الوالدة لها الحق بالمطالبة بهذا؟ وشيء آخر الأختان ليس معهما هذا المبلغ الكبير وزوج إحداهما لا يعمل.فهل لها فيما تدعيه؟؟ أرجو الرد.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالذي فهمناه من السؤال يحتمل أن الأم وهبت بنتيها جزءا من ثمن الأرض ويحتمل أنها اشترت قطعة أرض ووهبتها لهما، ثم لما علمت بأمر الشرع في العدل بين الأبناء في الهبة أرادت الرجوع فيما وهبت لتسوي بين جميع أبنائها. ولا حرج عليها في ذلك كما رد بشير بن سعد عطيته لولده النعمان كما في حديث الصحيحين قال النعمان: فرجع أبي فرد تلك الصدقة.

بل إن العطية للولد يجوز لأبيه الرجوع فيها ولو لغير حاجة، كما يدل له الحديث: لا يحل للرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.

والأم كالأب في صحة الرجوع لكن يشترط لذلك شروط.

قال ابن قدامة في المغني وللرجوع في هبة الولد شروط أربعة .. وذكر منها: (أن لا يتعلق بها رغبة لغير الولد فإن تعلقت بها رغبة لغيره مثل أن يهب ولده شيئا فيرغب الناس في معاملته وأدانوه ديونا، أو رغبوا في مناكحته فزوجوه إن كان ذكرا أو تزوجت الأنثى لذلك فعن أحمد روايتان أولاهما : ليس له الرجوع .

وقال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة ممزوجا بشرح النفراوي: وله أي الأب أن يعتصر ما وهب لولده الصغير أو الكبير (وكذلك الأم) ما لم ينكح لذلك أو يداين أو يحدث في الهبة حدثاً، قال العدوي: أي حادثاً ينقصها في ذاتها أو يزيدها فإنها تفوت عليه. اهـ.

وقال التسولي المالكي: فإن فاتت الهبة بزيد أو نقص ونحوهما فلا اعتصار لها. أي لارجوع للأم في الهبة بعد ذلك. وانظر الفتوى رقم: 68809.

وبناء عليه؛ فإنه لارجوع للأم فيما وهبته لابنتيها لأنه إن كانت الهبة نقدا فقد فاتت بالبيع وإن كانت أرضا فقد فاتت بزواج البنتين.

قال في التاج والإكليل مبينا أن النكاح ولو للبنت من موانع الاعتصار والرجوع فيما وهب لها قال: (وَكَذَلِكَ يَرْغَبُ فِي البنت وَيَرْفَعُ فِي صَدَاقِهَا فَلِذَلِكَ مُنِعَ الِاعْتِصَارُ ).

لكن للأم تدارك ذلك التفضيل بأن تهب لباقي أبنائها مثلما وهبت لابنتيها من مالها إن استطاعت ذلك وتحقق العدل المأمور به..

قال ابن قدامة في المغنى: وظاهر كلام الخرقي أن الأم كالأب في الرجوع في الهبة لأن قوله وإذا فاضل بين أولاده يتناول كل والد ثم قال في سياقه: أمر برده فيدخل فيه الأم وهذا مذهب الشافعي لأنها داخلة في قوله إلا الوالد فيما يعطي ولده.

ولأنها لما دخلت في قول النبي [ سووا بين أولادكم ] ينبغي أن يتمكن من التسوية، والرجوع في الهبة طريق في التسوية وربما تعين طريقا فيها إذا لم يمكن إعطاء الآخر مثل عطية الأول.

ولأنها لما دخلت في المعنى في حديث بشير بن سعيد فينبغي أن تدخل في جميع مدلوله لقوله فاردده وقوله فارجعه. ولأنها لما ساوت الأب في تحريم تفضيل بعض ولدها ينبغي أن تساويه في التمكن من الرجوع فيما فضله به تخليصا لها من الإثم وإزالة للتفضيل المحرم كالأب.

فدل ذلك على أن للأم الرجوع في الهبة كالأب وفق الشروط المبينة سابقا، فإن تعذر الرجوع لفوات الهبة ونحوه مما ذكرناه مانعا من الرجوع فيها لم يبق إلا أن يعطى باقي الأبناء كما أعطي لغيرهم أو يسامحوا في حقهم ونحوه لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. {التغابن:16}.

وللفائدة انظر الفتاوى التالية أرقامها: 106500،115509،124247.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني