الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

مع كل أسف زوجي يشرب المسكر، وعندما أنصحه وأعطيه الدلائل على تحريمه من عند الله يقول هذا التحريم للذين يفقدون عقلهم ويتصرفون تصرفات إجرامية... الخ، مع العلم أنه حاول أكثر من مرة تركه واستمر في تركه شهرين شهر متصل وشهر متقطع، ولكنه يعود إليه، لأنه لا يستطيع تركه رغم أنه يرغب بتركه، هذا مع العلم أن زوجي إنسان هادئ ومتزن وخلوق وكريم ولا يسبب لي أية مشاكل، رغم أنه في حالة الشرب، ولكن لا تصدر عنه أي تصرفات مثل التي تصدر عن الذين يشربون مثل السكر والهذر والدوخة، يشرب يومياً، ولكن لا تظهر عليه أية أثار فقدان العقل أو غيرها.
أرجوكم أفيدوني.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الخمر محرمة بنص القرآن الكريم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90].

والأمر بالاجتناب يفيد التحريم إذا خلا عن القرينة الصارفة، وليست هنالك قرينة صارفة. والعلة في تحريم الخمر هي الإسكار، لأنه وصف ظاهر منضبط مناسب لتحريمها، ولذلك وضع النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة تفيد بأن كل ما أسكر فهو حرام؛ ولو لم يكن خمراً، فقال: كل مسكر خمر ، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو لم يتب منها، لم يشربها في الآخرة. رواه مسلم وأحمد.

وذلك لأن كثيراً من الناس يشربون المسكرات غير الخمر، ويدعون أنها ليست محرمة، لأنها غير مذكورة في القرآن أو السنة.

والخمر حرام، وإن لم يسكر شاربها، لأن العبرة ليست بسكره منها أو عدم سكره، ولكن العبرة بكون هذا الشراب صالحاً للإسكار، لأن الشارب قد يشرب قليلاً فلا يسكر لقلته، وقد يشرب فلا يسكر لاعتياده عليه، أو لِسبب آخر.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أسكر كثيره فقليله حرام. رواه أحمد وأبو داود عن جابر، وصححه الألباني. وقال : ما أسكر منه الفرق، فملء الكف منه حرام. رواه أحمد عن عائشة، وصححه الألباني.

قال المناوي في فيض القدير: أي إذا كان فيه صلاحية الإسكار حرم تناوله، ولو لم يسكر المتناول بالقدر الذي تناوله.

وبناءً على ما سبق، فإن عدم تأثر زوجك من شرب الخمرة، لا دخل له في تحريمها أو تحليلها، لأنها حرام إلى يوم القيامة، سكر شاربها أم لم يسكر.

وعلى زوجك أن يتقي الله تعالى ويدع شرب أم الخبائث، فهي سبب لغياب أشرف ما في الإنسان وهو العقل، وسبيل لضياع ماله وصحته، وقد وهب الله له كل ذلك ليستخدمه فيما ينفعه ويقربه إليه، والله تعالى سائله عن كل ذلك يوم القيامة، كما في حديث أبي برزة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه فيما فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه؟ رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

وليخف هذا الزوج من سوء الخاتمة، فإن العبد يموت على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه، فقد يأتيه ملك الموت فيقبض روحه وهو يباشر شرب الخمر، نعوذ بالله تعالى من سوء الخاتمة.

فعلى زوجك أن يسارع بالإقلاع عنها بنفسه، فإن لم يستطع فليذهب إلى المصحات التي تعالج من الإدمان، وليتحمل في سبيل ذلك المشاق، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فإن كان صادقاً في طلب العلاج، فسوف يجعل الله له مخرجاً، قال الله تعالى: إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنفال:70]. وإن كان يريد خداع الله تعالى، فالله تعالى لا ينخدع بخداع أحد.

وعليك أن تكثري من نصيحته، وأن تتحملي أذاه، لعل الله يصلحه على يديك، ولا تبتعدي عنه إلا إذا خشيت على نفسك أن تتأثري به، ولا تيأسي من هدايته، فقلوب الخلق بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، والتجئي إلى الله تعالى في المسألة أن يصلح أحوالكم جميعاً، إنه لا يرد دعوة المضطرين.

نسأل الله الهداية والتوفيق لنا ولجميع المسلمين والمسلمات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني