الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجه عدم نسبة الشر إلى الله تعالى مع كونه سبحانه هو خالقه

السؤال

لماذا نسب الله الرحمة إليه والسيئة للناس في الآية 36 من سورة الروم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن هذا من حسن الأدب مع الله تعالى في عدم نسبة الشر إليه وإن كان هو خالقه وموجده سبحانه، كما قالت الجن: وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا {الجن:10}، وقال عز وجل: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشور: 30}، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يثني على ربه تبارك وتعالى بقوله: الخير كله بيديك، والشر ليس إليك. رواه مسلم. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 121395.

فكل الأمور السيئة كما يقول ابن القيم: قدرها الله سبحانه وقضاها لحكمته، وهي باعتبار تلك الحكمة نوع من إحسانه، فإن الرب سبحانه لا يفعل سوءاً قط، بل فعله كله حسن وخير وحكمة، كما قال تعالى: بيدك الخير. وقال أعرف الخلق به صلى الله عليه وسلم: والشر ليس إليك، فهو لا يخلق شراً محضاً من كل وجه، بل كل ما خلقه ففي خلقه مصلحة وحكمة، وإن كان في بعضه شر جزئي إضافي، وأما الشر الكلي المطلق من كل وجه فهو تعالى منزه عنه وليس إليه. انتهى من شفاء العليل.

وقال البقاعي في نظم الدرر: أسند الفعل إليه في مقام العظمة إشارة إلى سعة جوده، فقال: أذقنا (وجرى الكلام على النمط الماضي في العموم لمناسبة مقصود السورة في أن الأمر كله له في كل شيء فقال: (الناس رحمة -أي نعمة من غنى ونحوه لا سبب لها إلا رحمتنا)، فرحوا بها (أي فرح مطمئن بطر آمن من زوالها، ناسين شكر من أنعم بها، وقال: وإن بأداة الشك دلالة على أن المصائب أقل وجوداً، وقال: تصبهم غير مسند لها إليه تأديباً لعباده وإعلاماً بغزير كرمه. سيئة) أي شدة تسوءهم من قحط ونحوه.

ولما كانت المصائب مسببة عن الذنوب، قال منبهاً لهم على ذلك منكراً قنوطهم وهم لا يرجعون عن المعاصي التي عوقبوا بسببها (بما قدمت أيديهم) أي من المخالفات، مسنداً له إلى اليد لأن أكثر العمل بها، إذ هم. أي ما ساءهم وجودها مساءة نسوا بها ما خولوا فيه من النعم وجملوا له من ملابس الكرم. يقنطون: أي فاجاؤوا البأس، مجددين له في كل حين من أحيان نزولها وإن كانوا يدعون ربهم في كشفها ويستعينونه لصرفها مع مشاهدتهم لضد ذلك في كلا الشقين في أنفسهم وغيرهم متكرراً. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني