الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قتل النفس بغير حق من ورطات الأمور

السؤال

قبل مدة تقدر بحوالي أربع سنوات جاءني أحد أبناء المنطقة التي أعيش فيها وكانت علاقتي به سطحية لم تتعد السلام من بعيد، جاءني ولم يكن يعمل وكان قد طلب مساعدتي في أمر فني يخص الكمبيوتر، فاقترحت عليه القدوم إلى مقهى الأنترنت الموجود في المنطقة حيث إن صاحبه كان صديقي وكنت أقضي أوقات فراغي هناك واقترحت عليه أن يداوم على التواجد هناك حتى يتعلم أمور الكمبيوتر من جهة ومن جهة أخرى يقضي جزءا كبيرا من وقته في شيء يفيد بدلا من الوقوف في نواصي الشوارع كما كنت ألاحظ عليه، وفعلا أخذ بالنصيحة وبدأ يتعلم شيئاً فشيئاً وأصبحت العلاقة به عن كثب، ولكنني اكتشفت ولعه بالخوض في أعراض الناس وتسقط عثراتهم وتتبع أخبارهم، بالإضافة إلى صفة الحسد التي كانت عنده، وصار يبث الفتن بيني وبين صديقي صاحب مقهى الأنترنت، الذي هو نفسه لم يسلم من شروره كما علمت فيما بعد فآثرت الابتعاد عنه فكنت كلما التقيت به صدفة في مكان أنسحب وأتحجج بأي عذر، ولكنه عرف أنني أتجنبه وفهم ذلك على أنني أتكبر عليه فحقد علي وكرهني، فرحت بذلك لأنني ارتحت منه ولكن كان يدبر أمرا في سره، وبعد فترة بدأت ألاحظ نظرات غريبة من بعض الجيران وبعض الجمل والعبارات ذات المغزى، ولكن لم أنتبه للأمر ولم أعره انتباها، وشيئا فشيئا بدأت تزداد هذه الملاحظة وبالذات من الأشخاص الذين كان يختلط بهم بكثرة وكل هذا الكلام غير المباشر من هؤلاء يصب في اتجاه معنى واحد وهو التشكيك في رجولتي وعرضي، فهمت أن هناك كلاما حول عرضي وهذا الكلام مصدره هذا الشخص، حيث خلال فترة مخالطتي له لاحظت أن هذه التهمة عنده مثل البدلة الجاهزة يلبسها لكل من يكره، ولكنني آثرت التريث حتى لا أظلم أحدا، وذهبت إلى أحد الأشخاص كان يقف على مسافة متساوية بيننا في علاقته بيننا، كما أنه رجل ثقة وصادق وهذا معروف عنه، وحكيت له كل شيء وسألته هل سمعت شيئاً من هذا الشخص ولكنه امتنع عن الجواب، وطلب مني التعوذ من الشيطان وإهمال هذا الشخص وطرده من تفكيري، ولكنني ألححت بشدة وحلفت له بأغلظ الأيمان أن ما سيقوله لي لن يتجاوز جدران المنزل حيث ذهبت إليه في منزله، كما طلبت منه أن يحلف أن يقول الصدق، وطلبت منه الإجابة فقط بنعم أو لا فسألته هل تحدث هذا الشخص عني وخاض في عرضي فأجاب بنعم، وطلب مني نسيان الموضوع وأن الناس يعرفونني ويعرفونه هو ويعرفون قدر كل شخص وهلم جرا من هذا الكلام الذي غرضه التخفيف عني، ياسيدي الكريم كيف سآخذ حقي بالطرق المشروعة والشرعية وشاهدي الوحيد حلفت له أنني لن أخبر أحدا بما أخبرني به، كما أنني جئته لاجئا وحائرا فأخبرني بالحقيقة، فلا أريد أن أزج به في مشاكلي أو أن أضعه في الطرف المعادي لهذا الشخص أستطيع أن أتسامح في أي شيء إلا في العرض، ولا أخفيك سرا أنني أمتلك سلاحا وذخيرة حصلت عليها خلال فترة الثورة في ليبيا، كما أن القضاء معطل في ليبيا في هذه الفترة فهي فرصة للقصاص منه إن لم يكن بقتله فبضربه والتسبب له بإعاقة حتى يتأدب ويعرف أن الخوض في أعراض الناس ليست بهذه السهولة، أطلت عليكم فسامحوني، ولكن كلما رأيته تشتعل النار في صدري وتنتابني رغبة جامحة في قتله أفيدوني ماذا أفعل؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فاعلم أخي السائل أولا أن قتل النفس من غير مبرر شرعي يعتبر من أكبر الكبائر وأشد الموبقات وأهلك المهلكات, ولو قلّبت المصحف الشريف من أوله إلى آخره فلن تجد ذنبا بعد الشرك أعظم من ذنب القتل، وتأمل قول الله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا { النساء: 93}.

فالقاتل في هذه الآية متوعد بالخلود في النار والغضب من الجبار واللعنة والعذاب العظيم فاتق الله أخي السائل ولا تضيق على نفسك بالوقوع في جريمة القتل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا. رواه البخاري.

والمعنى أن المؤمن يكون في سعة ما دامت ذنوبه لم تصل إلى القتل فيقع في الذنب ويتوب وتغلب حسناته سيئاته، وأما إذا سفك الدم الحرام فإن الأمر يضيق عليه ولن تفي حسناته بتلك السيئة ـ والعياذ بالله ـ وهذا كما قال ابن عمر: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله. اهـ.

فاحذر أخي السائل من الإقدام على قتل ذلك الرجل, ولا شك أن ما قام به من الخوض في عرضك أمر محرم ومن كبائر الذنوب أيضا، فإن قذف الأنفس المحصنات من السبع الموبقات -كما صح بذلك الحديث- ولكن ليس علاجه الشرعي في القتل، وإنما بإقامة حد القذف عليه، فإن تمكنت من إقامة البينة عليه ورفع أمره إلى القضاء الشرعي ـ ولا بد من عدلين في الشهادة هنا ـ فلك ذلك ويقام عليه حد القذف وفي إقامته كف لشره وفضيحته وشفاء لما في صدرك عليه.

وأما حلفك للشاهد بأن لا تخبر أحدا: فإن هذه اليمين لا يحرم عليك الحنث فيها ولا يلزمك الوفاء بها ما دام في ذلك أذى يلحقك, والله حث على حفظ اليمين إذا لم يكن في حفظها حرج ولا ضرر، قال الطاهر بن عاشور في قوله تعالى: واحفظوا أيمانكم: فأمر بتوخّي البرّ إذا لم يكن فيه حرج ولا ضُرّ بالغير...اهــ.

وما دام في كتم تلك الشهادة إضرار بك وحرج عليك فلا يلزمك حفظها وكتمها, ويجب على الشاهد إذا دعي للشهادة أن يؤديها، لقول الله تعالى: وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ {البقرة:283}.

وتلزمك كفارة يمين عند إخبار المحكمة الشرعية بتلك الشهادة، وإن تعذر رفع الأمر إلى القضاء فلا مناص من الصبر فإن هذا من البلاء الذي يختبر الله به عباده ولك أسوة في سيد الخلق وإمام المرسلين صلى الله عليه وسلم فقد تكلم المنافقون في عرضه الشريف حتى جاء الفرج من الله تعالى وأظهر براءة عرضه وفضح من تكلم فيه, ولك أن تهدده أوتخيفه عله يكف لسانه وينزجر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني