الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأدلة على كون القرآن الكريم كلام الله حقا

السؤال

دعوت شخصًا - وهو ملحد - للقرآن الكريم فقال لي: أثبت لي أنه كلام الله, فقلت له: أثبت لي أنه كلام بشر وسأثبت لك أنه كلام الله, قال صديقي الملحد: مؤلف القرآن يعتقد أن السماء سقف صلب, ولا يعلم أنه غاز, قلت له: وما هو دليلك؟ قال: (فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ), وآية أخرى: (وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ) فقال الشق للأشياء الصلبة, وقال: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ), أي تموع مثل الزيت, إذن فهي صلبة, فقلت له هذه تفسيرات شاذة, وهذا فهمك للآية, وسأجيبك حين أراك مرة ثانية, وسأثبت لك بأن الخلل في دماغك, فأرجوك - يا شيخي - ما هو التفسير الصائب للآية؟ فأنا منذ أسبوعين أبحث عن تفسير هذه الآية, وأعلم أن الاستماع للشبه كفر, قال تعالى: (إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ) لكن ماذا أفعل فقد سمعتها دون قصد؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله خيرًا على دفاعك عن الدين وغيرتك عليه، واعلم أن أمثال هذا الملحد لا ينبغي أن يتصدى له إلا من كان متضلعًا من العلم الشرعي, فنوصيك بتعلم العلم والتفقه في الدين, والبُعد عن مجالسة الملحدين, وعدم الاستماع لشُبههم، فإنها تمرض القلب، وربما يفتتن ببعض هذيانهم من لم يتسلح بنور الإيمان والعلم، وانظر الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 67444 - 141783 - 118251 - 150553 .

وأما كون القرآن كلام الله حقًّا فهذا مما لا شك ولا ريب فيه ، وإن الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على ذلك كثيرة جدًّا، منها:

1- أن الله تعالى تحدَّى الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور فقط مثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بمثل سورة منه فلم يستطيعوا، على الرغم من أن الذين تحداهم كانوا أبلغ الخلق وأفصحهم، والقرآن إنما نزل بلغتهم، ومع ذلك فقد أعلنوا عجزهم التام، قال الله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا {الإسراء:88}، وقال أيضًا: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {هود:13}، وقال سبحانه: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {البقرة:23}.

وهذا التحدي الذي تحدى الله تعالى به كفار قريش باق إلى قيام الساعة، فلم يستطع أحد من الخَلق أن يأتي بشيء مثله, أو قريب منه بوجه من الوجوه، ولو كان القرآن كلام بشر لاستطاع بلغاء البشر أن يأتوا بمثله أو قريب منه، وانظر كذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 39347 - 173259 - 140850 - 111062.

2- أن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ كتابه عن التحريف والتبديل والزيادة والنقصان، فقال عزَّ من قائل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9}، ومنذ أن نزل القرآن على قلب نبينا محمد عليه الصلاة والسلام قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام والناس يتناقلونه جيلاً بعد جيل دون أن يختلفوا في حرف واحد منه، ولو حاول أي شخص أن يغيِّر فيه أدنى تغيير فإنه يفتضح مباشرة، ولا يُقِره أحد على فعله، حتى الصبيان في الكتاتيب، فإنهم يردون عليه ما افتراه وبدَّله.

3- أن البشر مهما أوتوا من العلم والفهم وقوة الإدراك، فلا بد أن يقع منهم الخطأ والسهو والنسيان، ولم ينجُ من ذلك أيُّ كتاب وضعه بشر, أما كتاب الله تعالى فإنه من أوله إلى آخره ليس فيه أي نوع من الاختلاف أو الخطأ؛ مما يدل أنه ليس من كلام البشر وإنما من كلام رب البشر سبحانه وتعالى، قال عزَّ من قائل: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا {النساء:82}، وقال أيضًا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ {فصلت:41، 42}.

4- بلوغ القرآن الغاية في البلاغة من أوله إلى آخره بلا تفاوت، حتى في ذكره للأحكام والحدود؛ مما يدل على أنه ليس بكلام البشر، وانظر الفتوى رقم:27843.

5- أن الكفار وأعداء الإسلام الحريصين على إبطال القرآن سلَّموا أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من كلام البشر، وانظر الفتوى رقم:106344.

6- الإعجاز الباهر الذي اشتمل عليه القرآن في أمر التشريع، حيث العدل التام فلا وَكْسَ وشطط، فلا تجد قانونًا من وضع البشر بهذا الإحكام وهذه العناية والرعاية.

7- إخبار القرآن بأمور غيبية لا يمكن للعقل أن يستقل بإدراكها، ثم أتى العلم الحديث بإثباتها على الوجه الذي حكاه القرآن، كمراحل نمو الجنين في رحم الأم، وأحوال البحار وأن قاعها مظلم، وغير ذلك؛ مما جعل كثيرًا من العلماء من غير المسلمين يُسَلِّمون أن الحقائق التي حكاها القرآن لا يمكن لبشر إدراكها من غير تجارب معملية وتقنية عالية، بالرغم من أن القرآن قد جاء بها في وقت كانت الأمم فيه بدائية وليس عندها إلا أوَّليات المعرفة.

8- ما حكاه القرآن عن أخبار الأمم الماضية وتفاصيل ما حصل لهم مما لم يكن الوقوف عليه لولا ذِكره في القرآن.

9- ما ذكره القرآن عن أمور مستقبلية غيبية ثم تتحقق كما ذكر القرآن؛ مما يدل على أنه كلام رب الناس، ومن ذلك إخباره بانتصار الروم على الفرس في بضع سنين، فوقع الأمر كما أخبر القرآن.

10- ما اشتملت عليه بعض آيات القرآن من معاتبة الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما قد يكون فيه نوع إحراج له، فلو كان هذا القرآن من عند رسول الله لما احتاج إلى ذكر هذه الآيات، ومن ذلك قول الله تعالى لنبيه الكريم: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا {الأحزاب:37}.

هذا، وقد ذكر العلامة (رحمة الله الهندي) اثني عشر وجهًا عقليًا يثبت به أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى حقًا وصدقًا، وذلك في الفصل الأول من الباب الخامس من كتابه الشهير: إظهار الحق.

وأما بالنسبة للشُّبه التي ذكرها صاحبك الملحد من أن ظاهر القرآن يدل على أن السماء سقف صلب, بينما يزعم أن العلم الحديث أثبت أن السماء مصنوعة من الغاز: فتلك شبهة ساقطة؛ فغاية ما يثبته العلم الحديث هو مكوِّنات ذلك الغلاف الجوي الذي يعلو الأرض، والذي يظنه أولئك العلماء أنه هو السماء ومنتهى العلو، وليس الأمر كذلك؛ فإن السماء التي فيها البيت المعمور والجنة والنار والتي لها أبواب تُقرع وتُستفتح والتي سقفها عرش الرحمن ليس لِجِنٍّ ولا إنسٍ أن ينفُذ إليها، وليست يقينًا من الغاز!

فما يذكره علماء الهيئة والفلك متعلق بما أدركوه وعاينوه، وأما ما لم يدركوه مما ورد ذكره في القرآن والسنة فليس لهم أن يَرُدُّوه؛ لأن العقل الصحيح يأبى أن يحكم على شيء لا يتصوره.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني