الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدعاء بتبديل الحال ليس تسخطا ولا اعتراضا على القدر

السؤال

إذا كتب وقدر لي عند الله أن أكون في الدنيا فقيرة، وأحببت أن أدعو الله أن يغير لي حالي، وأن يرزقني المال الوافر والثراء، وهذا مع عدم الاعتراض على حكم الله؛ بل ولله الحمد راضية، ولكن الإنسان بطبعه يحب الخير الكثير لنفسه، ويطمعه من رب العالمين أن يرزقه إياه.
فهل يجوز أن يدعو الإنسان بتغيّر الحال عن ما قدر له وكتب؟ وكيف يعرف المرء القدر المحتوم والقدر المعلق لنفسه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما ما سألت عنه من أمر الدعاء، فلا بأس أن يسأل العبد ربه أن يبدل أمره من حال سيئة إلى حال حسن، وليس في مجرد هذا تسخط ولا اعتراض على القدر، فمرد ذلك إلى القلب، ولا منافاة بين الدعاء وبين الرضا.

قال الإمام أبو عبد الله القرطبي: ولم يكن قوله: مسني الضر. جزعا، لأن الله تعالى قال: إنا وجدناه صابرا؛ بل كان ذلك دعاء منه، والجزع في الشكوى إلى الخلق لا إلى الله تعالى، والدعاء لا ينافي الرضا.

وقال شيخ الإسلام: الرضا لا يُنافي القضاءَ مطلقًا، بل يَرضَى في الحاضر، ويسأل الله في المستقبل أمرًا آخر، فإن الرضا إنما يكون بعد القضاء، والدعاءُ إنما يكون بطلب مستقبل أو دفعِه، فالرضا بما مضى لا يُنافي طلبَ زوالِ المستقبل، وقد يخاف العبد أنه لا يدومُ الرضا، فيسألُ اللهَ زوالَ الشدَّة التي يَخافُ معها زوالَ رضاه، فالداعي قد يكون راضيًا وغيرَ راضٍ، كما أن الراضيَ قد يكونُ داعيًا وغيرَ داع.

ويقول ابن عثيمين:وأما المقضي فعلى أقسام:............ وقسم ثالث: يستحب الرضا به، ويجب الصبر عليه، وهو ما يقع من المصائب، فما يقع من المصائب يستحب الرضا به عند أكثر أهل العلم ولا يجب، لكن يجب الصبر عليه، والفرق بين الصبر والرضا: أن الصبر يكون الإنسان فيه كارها للواقع، لكنه لا يأتي بما يخالف الشرع وينافي الصبر. والرضا: لا يكون كارها للواقع فيكون ما وقع وما لم يقع عنده سواء، فهذا هو الفرق بين الرضا والصبر؛ ولهذا قال الجمهور: إن الصبر واجب، والرضا مستحب.

والدعاء يرد الله به القدر المعلق ولا يغير القدر المبتوت ولا يبدله. وهذه بعض أقوال الأئمة في هذه المعاني.

يقول الشيخ ابن باز: الدعاء من أسباب رد القدر المعلق، والقدر يكون معلقا، ويكون مبتوتا، فإذا كان قدرا معلقا، قد قدر الله جل وعلا أن يهبه ولدا، إذا دعا ربه، فدعا ربه واستجاب دعوته، هذا معلق بالدعاء، أو قدر الله له مالا إذا دعا ربه في طلب ذلك المال، فإذا دعا ربه يسر الله له المال المعلق على هذا الدعاء، أو طلب زوجة، طلب أن يزوجه فلانة، والله قد قدر له ذلك بهذا الطلب، قد علق القدر بهذا الطلب، أن فلانا قدر الله في سابق علمه أنه يسأل ربه أن الله يزوجه فلانة بنت فلان، فإذا ألهمه الله الدعاء ووفقه للدعاء، حصل المقدور المعلق، أما الأقدار المبتوتة التي ليست معلقة، هذه ما تتعلق بالدعاء، الموت المحدود في يوم معلوم، دون دعاء، إذا جاء يوم موته، المحدود مات، دعا أو لم يدع.

وأما ما سألت عنه من أمر القدر، فالقضاء والقدر أمر من الغيب الذي لا يعلمه إلا ربنا سبحانه، أو من أطلعه عليه من ملائكته ورسله ، ولا سبيل للاطلاع عليه، فلا يدري الإنسان كسبه في غد ما يكون، وإنما على الإنسان أن يسأل ربه أن يقدر له الخير في غابر الأيام ويحسن الظن بالله تعالى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني