الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في اللحوم حال الاشتباه في طريقة ذبح الكتابيين

السؤال

خرجت ذات يوم مع أصدقاء لي في بريطانيا حيث أدرس للعشاء, وكثير منهم من غير المسلمين إلا أنا وآخر, وطلبوا جميعهم حتى المسلم كحولا إلى جانب عشائهم، فهل أنا آثم للجلوس معهم؟ مع العلم أن أغلب المطاعم حتى التي تقدم الطعام الحلال والمطاعم الإسلامية يبيعون فيها الكحول، والأجانب لم يعرضوا علي أن أشرب.
السؤال الثاني: هناك مفتش صحة قال لي إن شراب الشعير الخالي من الكحول سيتخمر بنسب بسيطة لا محالة ويبيعونه أيضا في بلاد الحرمين، فهل هو حرام أم مشبوه؟.
السؤال الثالث: صديق لي في بلد أوروبي يقول لي إن المركز الإسلامي قال إن جميع اللحوم تذبح هناك, ولكن آخر قال لي إنها تصعق بنسبة 80% ثم تذبح, وقد يموت بعض الدواجن في فترة الصعق, فما قولكم؟ وشكرا جزيلا، وادعوا لنا بالثبات.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز الجلوس على الموائد التي يشرب عليها الخمر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يُشرب عليها الخمر. أخرجه أحمد، قال ابن حجر: إسناده جيد.

قال المناوي في شرحه: وإن لم يشرب معهم، لأنه تقرير على المنكر. اهـ.

وراجع في هذا الفتوى رقم: 64040.

وشراب الشعير الذي لا يسكر إن كان خاليا من الكحول فإنه يجوز شربه، كما بيناه في الفتوى رقم: 33081.

وأما اللحوم التي في الدول الأوروبية: فهي حلال إن كان الحيوان يذكى تذكية شرعية، وكان يقوم بذلك من هو من أهل الكتاب، وما عُلم أنه قتل بالصعق فلا إشكال في حرمة تناوله، وأما إن اشتبه المذبوح ولم يُدر هل ذبح بالطريقة الشرعية أم لا لشيوع الذبح بالطرق غير الشرعية كالصعق؟ فقد اختلف العلماء في حكم اللحوم حينئذ، فذهب بعضهم إلى أنها لا تحل حتى يتبين أنها ذبحت بطريقة شرعية، لأن الأصل في اللحوم التحريم حتى يثبت حلها، وهذا اختيار الشيخ عبد الله بن حميد، والشيخ صالح الفوزان في كتابه الأطعمة، قال الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله: أما إذا جهل الأمر في تلك اللحوم ولم يعلم عن حالة أهل البلد التي وردت منها تلك اللحوم هل يذبحون بالطريقة الشرعية أو بغيرها ولم يعلم حالة المذكين وجهل الأمر؟ فلا شك في تحريم ما يرد من تلك البلاد المجهول أمر عادتهم في الذبح، تغليبا لجانب الحظر، وهو أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر فيغلب جانب الحظر، سواء أكان في الذبائح أو الصيد، ومثله النكاح، كما قرره أهل العلم، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والحافظ ابن رجب وغيرهم من الحنابلة، وكذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني والإمام النووي، وغيرهم كثير، مستدلين بما في الصحيحين وغيرهما من حديث عدي بن حاتم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل، فإن وجدت معه كلبا آخر فلا تأكل. اهـ.

وذهب آخرون إلى حل اللحوم في حال الاشتباه في طريقة ذبح الكتابيين لها، باعتبار أن الأصل في ذبائح أهل الكتاب الحل، وهذا اختيار الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، وانتصر لهذا القول الشيخ عبد الله آل محمود في كتابه: فصل الخطاب في إباحة ذبائح أهل الكتاب، جاء في فتاوى ابن باز: ذكرتم أنكم أحجمتم عن أكل اللحوم بأنواعها لاعتقادكم بأنها لا تذبح على الطريقة الإسلامية ولا على طريقة أهل الكتاب ـ اليهود والنصارى ـ أي لا يذكر اسم الله عليها، وتسألني هل أكلها حلال أم حرام؟ والجواب: قال الله سبحانه: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ { الآية} هذه الآية أوضحت لنا أن طعام أهل الكتاب مباح لنا وهم اليهود والنصارى، إلا إذا علمنا أنهم ذبحوا الحيوان المباح على غير الوجه الشرعي، كأن يذبحوه بالخنق أو الكهرباء أو ضرب الرأس ونحو ذلك، فإنه بذلك يكون منخنقا، أو موقوذا فيحرم علينا كما تحرم علينا المنخنقة والموقوذة التي ذبحها مسلم على هذا الوجه، أما إذا لم نعلم الواقع فذبيحتهم حل لنا عملا بالآية الكريمة. اهـ.

وقال الشيخ ابن عثيمين في فتوى مطولة: الحالة الثالثة: أن نعلم أن الذبح وقع ولكن نجهل كيف وقع بأن يأتينا ممن تحل ذبيحتهم لحم أو ذبيحة مقطوعة الرأس، ولا نعلم على أي صفة ذبحوها، ولا هل سموا الله عليها أم لا؟ ففي هذه الحال المذبوح محل شك وتردد، ولكن النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم تقتضي حله، وأنه لا يجب السؤال تيسيرا على العباد وبناء على أصل الحل، فقد سبق: أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من الشاة التي أتت بها إليه اليهودية، وأنه أجاب دعوة يهودي على خبز شعير وإهالة سنخة، وفي كلتا القضيتين لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية الذبح، ولا هل ذكر اسم الله عليه أم لا؟ وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوما أتونا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا عليه أنتم وكلوه، قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر، فقد أحل النبي صلى الله عليه وسلم أكل هذا اللحم مع الشك في ذكر اسم الله عليه وهو شرط لحله، وقرينة الشك موجودة وهي كونهم حديثي عهد بالكفر، فقد يجهلون أن التسمية شرط للحل لقرب نشأتهم في الإسلام، وإحلال النبي صلى الله عليه وسلم لذلك مع الشك في وجود شرط الحل ـ وهي التسمية ـ وقيام قرينة على هذا الشك ـ وهي كونهم حديثي عهد بالكفر ـ دليل على إجراء ما ذبحه من تحل ذبيحته على أصل الحل، لأن الأصل في الأفعال والتصرفات الواقعة من أهلها الصحة، قال في المنتقى بعد أن ذكر حديث عائشة السابق: وهو دليل على أن التصرفات والأفعال تحمل على حال الصحة والسلامة إلى أن يقوم دليل الفساد ـ وما يرد إلينا مما ذبحه اليهود أو النصارى غالبه ما جهل كيف وقع ذبحه، فيكون تحرير المقام فيه إجراؤه على أصل الحل وعدم وجوب السؤال عنه. اهـ.

والعمل بالقول الأول أبعد عن الشبهة، وأبرأ للذمة، وأقرب إلى الاحتياط، وانظر للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 2437 51028، 128816، 129341.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني