الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أدب من وقع في حد من حدود الله تعالى فستره الله عليه

السؤال

يسألني صديق عزيز علي جدا، وقع في الزنا- نسأل الله العافية- وهو غير محصن، ولم يسبق له الزواج.
1- هل الجلد في حد الزنا للزاني غير المحصن يكون 100 جلدة متتابعة في يوم واحد، ومرة واحدة أم يجوز تجزئتها على يومين 50 /50 ما دام الألم موجودا؟
وهل يجوز درءً للتشهير والفضح بشخص غير معروف بهذا الفعل القبيح، أن يأمر الحاكم أو من ينوبه في بلد مسلم لا يطبق الحدود، أن يتم توقيع الحد عليه في مكان خاص غير المسجد كمكان عمل، أو بيت أو نحوه، ويحضر طائفة من المؤمنين معروفون بالصلاح، وكيفية الجلد بالطريقة الشرعية الصحيحة، خصوصا إن كان الزاني غير محصن، وغير مشهور بالزنا، ويقسم أنه لم يزن في حياته إلا مرة واحدة بكافرة، بغي، تعمل في الدعارة بمقابل مادي، وفي دولة غربية غير مسلمة، وهو غير مشهور بارتكاب المعاصي والفواحش، ويؤدي الصلاة، والفرائض من صيام ونحوها. وتاب إلى الله تعالى توبة نصوحا بأن جعل نية تركه للزنا خالصة لوجه الله تبارك وتعالى، وخوفا ورهبة من عذاب الله، وخشية من الله، ورغبة في الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل، بأن أقلع عن الزنا، وندم عليه أشد الندم، ويتذكر الماضي بألم وحسرة، ويتمنى لو عاد به الزمن إلى الوراء لما قام بفعلته القبيحة، وعزم عزما مؤكدا وصادقا على ألا يعود إليه، وأن يتجنب أسبابه المؤدية إليه، وعزم على الزواج حماية لدينه ولنفسه، وعمل الأعمال الصالحة من الإكثار من العمرة، والصدقات، والتبرعات ونحوها لعلها تمحو ذنوبه. ولم يتم القبض عليه، ورغم أن القانون الوضعي لا يعاقب على فعله في الدولة الأخرى، ولا حتى دولته الأصلية، أي أنه أقر بذلك مختارا للحاكم عن طيب خاطر منه لكي يتطهر مما ارتكبه، رغم توبته، بحكم أن الحدود كفارات لأهلها، وأن الهدف من الحد هو التطهر الواجب؛ لأنها عقوبة مقررة لله تعالى، وللتأديب والزجر ثانيا لا للتشهير والفضح، وأن من ستر مسلما في الدنيا ستره الله بستره يوم القيامة، خصوصا من لم يشتهر عنه هذا الفعل القبيح، وأقر بذلك وتاب إلى الله تعالى منه، ولكنه مصر رغم كل ذلك على التطهر من كبيرته، خصوصا أن الحد هنا مما يحتمل وهو الجلد، والنفي سنة بالنسبة للزاني غير المحصن، أو الجلد ثمانون جلدة لمن شرب الخمر، أو قذف ولم يأت بأربعة شهود. وأن الطائفة التي ستحضر يجوز أن تكون أربعة رجال، ولم يشترط تحديد صفاتهم. ويريد أن يتأكد من سقوط حد الزنا عنه في الدنيا.
فهل يجوز له أن يقيم حد الزنا، أو القذف على نفسه، وذلك بعد إذن الإمام أو الحاكم في بلد مسلم لا يطبق الحدود، وأعني هنا بتطبيق الحد على نفسه أن يحضر من يعرف كيفية الجلد الشرعي، والسوط الذي يجب الجلد به، ويتم جلده في مكان كبيت، أو سجن، أو مجلس بحضور طائفة من المؤمنين 4 رجال، أو رجل حتى خصوصا أنها مسألة خلافية بين العلماء، ومندوب عن الحاكم. وبعد نهاية الجلدة المائة يسافر إلى بلد آخر، ويمكث به سنة هجرية كاملة (التغريب عاما) ويكون في نيته ذلك.
فهل يسقط حده في هذه الحالة، أو تبرأ ذمته أمام الله إن كانت نيته ذلك أم إن هذا لا يكفي بحكم أن دولته لا تطبق الحدود ((لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)) وربما يموت، أو يبلغ مرحلة الشيخوخة ولا يستطيع التطهر من حده رغم أن في نيته ذلك.
2- هل النفي أو التغريب سنة بعد الجلد في عقوبة الزاني غير المحصن يعد حدا أو تعزيرا؟ وهل هو عقوبة توقع بعد الجلد أو قبله ؟ وهل الصحابي الذي ضرب بـعثكال فيه مائة شمراخ، تم نفيه وتغريبه عاما ؟
وهل يجوز إذا اختلف الفقهاء في هذه المسألة بحيث أجمع الجمهور وهم المالكية، والشافعية، والحنابلة على أن التغريب حد، وخالفهم الحنفية أن يؤخذ برأي الحنفية بحجة جلب المصلحة، ودرء المفسدة مثال أن الزاني البكر قد تاب وتزوج، ولا يريد تشتيت أسرته، أو خوفا من افتتانه أن يلغى النفي ويكتفى بالتوبيخ والزجر إن اعتبرناه تعزيرا ؟ وهل لو أن شخصا قام بتغريب نفسه بعد جلده بالطريقة الآنفة لمدة سنة هجرية كاملة إلى بلد مسلم ليس فيه زنا، أي غير البلد الذي زنا فيه، وغير بلده الأصلي، واستحضر نية العقوبة يكون قد أوفى كفارته؟
وهل التغريب إلى البلد المنفي إليها يستوجب حبسه فيها، أي عدم حركته وخروجه منها إلى بلد آخر أم يحق له ذلك ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلن نخوض في تفصيل ما سأل عنه هذا الرجل من جزئيات، بل نقول: عليه أن يحمد الله تعالى على ما منّ عليه به من التوبة، ويستتر بستر الله عزّ وجلّ، ولا يلتمس الحد ولا يطلبه.

جاء في فتح الباري لابن رجب: وجمهور العلماء على أن من تاب من ذنب، فالأصل أن يستر على نفسه ولا يقر به عند أحد، بل يتوب منه فيما بينه وبين الله عز وجل. اهـ.

وفي تحفة الأحوذي: قال الشافعي: وأحب لمن أصاب ذنبا فستره الله عليه، أن يستر على نفسه، ويتوب فيما بينه وبين ربه. اهـ.

وقال ابن بطال: .... وهذا يوجب على المرء أن يستر على نفسه إذا واقع ذنبا، ولا يخبر به أحدا، لعل الله تعالى أن يستره عليه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني