الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما المانع من النظر إلى النساء دون شهوة؟

السؤال

إذا نظر الشخص إلى امرأة دون شهوة، ودون قصد إثارة الشهوة، فما الحرام في ذلك؟ وما الفوائد التي ستعود عليه، وهو ينظر بدون شهوة؟ أي أن كلتا الحالتين واحدة، نظر أم لم ينظر؛ لأنه لا ينظر بشهوة، أما بالنسبة لكلام الإمام ابن القيم عن فوائد غض البصر، فهو يقصد الشخص الذي ينظر بشهوة، فإذا غض بصره فعند ذاك تكون الفائدة؛ حتى لا يتعب مما يراه، وهو لا يستطيع أن يحصل عليه، وهل المقصود بالشهوة الشهوة الجنسية البهيمية فقط، أم الحب القلبي حتى وإن كان خاليًا تمامًا من الشهوة الجنسية البهيمية؟ أرجو التوضيح الكامل من حضراتكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الشارع الحكيم له الحكمة البالغة في أحكامه، فالذي خلق العباد عالم بما يصلحهم في معاشهم، ومعادهم؛ قال تعالى: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك:14}. ولا بأس أن يسأل المسلم مستفهمًا عن حكمة التشريع - بعد التسليم لحكم الله تعالى -.

ولا يجوز أن يكون السؤال على سبيل الاعتراض؛ فقد قال الله تعالى عن قوم: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {البقرة:275}، فرد الله سبحانه عليهم ذلك بقوله في الآية نفسها: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة:275}.

يقول ابن كثير - رحمه الله -: { إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا } أي: هو نظيره، فلم حرم هذا وأبيح هذا؟ وهذا اعتراض منهم على الشرع، أي: هذا مثل هذا، وقد أحل هذا، وحرم هذا!....اهـ.

والتشريع الإسلامي قد جاء بسد الذرائع إلى الحرام، فحرم كل ما يقود إلى الحرام، وأمر بغض البصر، ومنع من النظر إلى النساء إلا ما استثني - كالنظر للخطبة - ولم يفرق بين النظر بشهوة أو بغير شهوة، فمن يأمن أنه إذا نظر بغير شهوة ابتداء، أن لا يقوده ذلك إلى الشهوة، ثم إلى الوقوع فيما هو أشد، وهو الفاحشة، والشيطان يستدرج العباد إلى المعصية استدراجًا، ويقودهم إليها خطوة بعد خطوة؛ ولذلك حذر الله تعالى من كيده فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {النور:21}.

وراجع الفتوى رقم: 241831.

ولا يصح القول بأن كلتا الحالتين واحدة - أن ينظر بلا شهوة، أو أن لا ينظر أصلًا - فإن الأول لا يأمن أن يقوده نظره بلا شهوة إلى ما هو أعظم - كما ذكرنا - ثم إن من غض بصره عن الحرام، ممتثل لقول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30}، وهو محصل بذلك - بإذن الله - لهذه الثمرة الطيبة، وهي زكاة النفس، والمراد بالشهوة: التلذذ بالنظر.

قال المرداوي في الإنصاف: معنى الشهوة: التلذذ بالنظر. اهـ.

وهذا قد يصحبه شهوة الجماع، وقد لا يصحبه، وانظر للفائدة: الفتوى رقم: 132452

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني