الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعدد القراءات للقرآن الكريم ليس من التحريف

السؤال

سألني أحد النصارى قائلا: بما أن القرآن محفوظ من التحريف، فلماذا يوجد اختلاف في سورة الزخرف آية: 19 ـ في قراءة ورش وقراءة أخر في كلمة واحدة؟ أتمنى أن تعملوا مقارنة بين آية رقم: 19، في سورة الزخرف في جميع القراءات لكي تطمئن نفسي.
وشكرا لكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن القرآن محفوظ من التحريف، فقد تعهد الله بذلك في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9}.

قال ابن جرير الطبري: قوله تعالى ذكره: إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ ـ وهو القرآن ـ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ـ قال: وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل مَّا ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه، وحدوده، وفرائضه. اهـ.

وقد أجمع المفسرون على أن المقصود بقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9} القرآن، كما قال ابن الجوزي في تفسيره.

وقال القرطبي في مقدمة تفسيره وهو يتحدث عن أنواع المعجزات وإعجاز القرآن رحمه الله: لأن الأمة لم تزل تنقل القرآن خلفاً عن سلف، والسلف عن سلفه إلى أن يتصل ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم المعلوم وجوده بالضرورة وصدقه بالأدلة والمعجزات، والرسول أخذه عن جبريل ـ عليه السلام ـ عن ربه عز وجل، فنقل القرآن في الأصل رسولان معصومان من الزيادة والنقصان، ونقله إلينا بعدهم أهل التواتر الذين لا يجوز عليهم الكذب فيما ينقلونه ويسمعونه لكثرة العدد. اهـ.

وأما تعدد القراءات: فليس من التحريف، والفرق بينهما أن القراءات المتواترة مروية كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم فهي كلها قرآن ولا تناقض بينها، وهي كلها تفيد معاني صحيحة لا تناقض بينها، والآية رقم: 19ـ في سورة الزخرف من هذا القبيل، فقد ثبتت القراءتان بالتواتر عن القراء المتصلة أسانيدهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في السبعة في القراءات لابن مجاهد ص: 585 ـ واختلفوا في الباء والنون من قوله تعالى: الذين هم عباد الرحمن ـ فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: عند الرحمن ـ بالنون، وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: عباد الرحمن ـ بالباء. اهـ.

وجاء في إبراز المعاني من حرز الأماني لأبي شامة ص: 678ـ بيان توجيه القراءتين وصحة ما دلتا عليه، حيث قال أبو شامة رحمه الله تعالى: التعبير عن الملائكة بأنهم عباد الرحمن ظاهر، أما عبارة: عند ـ فأشار إلى شرف منزلتهم، وقد جاء في القرآن التعبير عنهم بكل واحد من اللفظين: بل عباد مكرمون ـ إن الذين عند ربك لا يستكبرون ـ ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته. اهـ.

وقال الطبري في التفسير: واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة: الذين هم عند الرحمن ـ بالنون فكأنهم تأولوا في ذلك قول الله جلّ ثناؤه: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ ـ فتأويل الكلام على هذه القراءة: وجعلوا ملائكة الله الذين هم عنده يسبحونه ويقدسونه إناثا, فقالوا: هم بنات الله جهلا منهم بحق الله, وجرأة منهم على قيل الكذب والباطل، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا ـ بمعنى: جمع عبد فمعنى الكلام على قراءة هؤلاء: وجعلوا ملائكة الله الذين هم خلقه وعباده بنات الله, فأنثوهم بوصفهم إياهم بأنهم إناث والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب, وذلك أن الملائكة عباد الله وعنده.

ومثل هذا الخلاف لا يعد تحريفًا للقرآن, وإنما هو مظهر من مظاهر تعدد القراءات القرآنية المتواترة التي قطع أهل العلم بصحة جميعها, وكانت موافقة لرسوم المصاحف التي كتبها الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وقد سبق لنا بيان ما في تعدد القراءات القرآنية من الفوائد والحكم، فراجع الفتاوى التالية أرقامها: 19945، 21795، 44576، 21627.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني