الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السعادة والتعاسة تنبع من نفس الإنسان

السؤال

قاسيت كثيراً من الزوج والأولاد، حتى وقفوا على أقدامهم، والآن وصلت لمرحلة لم يعد أي شيء يسعدني بعد ما كنت أسعد بأقل شيء، والشيء الوحيد الذي يسعدني الآن هو الاستماع إلى القرآن، وغير ذلك أشعر بحزن شديد. فماذا أفعل غير الاستماع إلى القرآن، لأسترد نفسي وبسمتي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فمن فضل الله -تعالى- عليك أن حبب إلى قلبك استماع القرآن وانشراح صدرك به، وهذا من عظيم امتنان الله عليك ولطفه بك، فالله تعالى يقول: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر:23]، فقول الله تعالى: ذَلِكَ هُدَى. يعني: توفيق الله لهم لهذا الفضل العظيم.

ولكننا نلمس من سؤالك الإحباط والنظرة السوداوية في الحياة إلى حد يكاد يكون مرضاً، وهذا على خلاف نظرة الإسلام إلى الحياة، فالحياة بما فيها من شمس وقمر وشجر ونهر وصحة ومال وولد.. نعم جليلة امتن الله بها على عباده، وطلب منهم شكرها: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78].
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ [البقرة:22].

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم-، يدعو فيقول: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير.... رواه مسلم.

فلماذا لا نفرح بما أنعم الله علينا، وكم هي النعم التي أنعم الله بها!! فما أغلى العافية التي تسري في أوصالنا، وما أشهى الثمار التي نأكلها، وما أثمن القوى التي زودنا الله بها، وما أحسن العمر يقضى في طاعة الله ونفع الناس: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].

وفي الحديث: من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا. رواه الترمذي وهو حديث حسن، وقال: خير الناس من طال عمره وحسن عمله. رواه الترمذي أيضاً، فهذا وغيره مما يدخل السعادة والسرور على قلب المؤمن، ويجعله يشعر بالبهجة والفرح والأنس.

واعلمي أن سعادتك وشقاوتك تنبع من نفسك، فنفسك هي التي تعطى حياتك بهجتها أو شقوتها، وفي الحديث: فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي بسند صحيح.

وروى البخاري: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عاد أعرابياً به حمى، فقال له مواسياً مشجعاً: لا بأس، طهور إن شاء الله، فقال الأعرابي: بل هي حمى تفور أو تثور، على شيخ كبير، تزيره القبور، فقال له صلى الله عليه وسلم: فنعم إذاً. رواه البخاري.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني