الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تأليف قصة تتضمن خروج شخص من يأجوج ومأجوج

السؤال

امتن الله -عز وجل- علي بموهبة الكتابة الروائية، والحمد لله حظيت كتاباتي ببعض الشهرة والانتشار، وأعمل حاليًا على رواية جديدة أصارع بها موجة الإلحاد الجديدة المنتشرة كموضة بين الشباب، وسيكون من أهم عناصرها خروج أحد أفراد يأجوج ومأجوج من ثغرة حدثت بيننا وبينهم، ولكن سأراعي أن تكون مدة هذه الثغرة لا تزيد عن يوم كامل مراعاة للحديث النبوي الشريف الذي أخرجه الترمذي وحسنه عن السد: "يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم: ارجعوا، فستخرقونه غدا. فيعيده الله كأشد ما كان، حتى إذا بلغ مدتهم، وأراد الله أن يبعثهم قال الذي عليهم: ارجعوا، فستخرقونه غدًا إن شاء الله. واستثنى، قال: فيرجعون فيجدونه كهيئته حين تركوه، فيخرقونه فيخرجون على الناس ... الحديث.
وسوف أتعامل دراميًّا مع خروج هذا الفرد بأحداث كلها من وحي الخيال، تصب بشكل غير مباشر في مصلحة التذكير بالآخرة وأحداث الساعة، مع دحض كل شبهات الإلحاد السارية، فهل يجوز لي ذلك فيما يتعلق بخروج فرد من يأجوج ومأجوج؟ مع اعتبار أن المقصود بالخرق في الحديث هو الخرق الذي يسمح لهم بالخروج الميسور، وليس بمرور فرد واحد مع المشقة، فهل يجوز ذلك؟
وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن المقاصد الحسنة -بلا ريب-: مواجهة موجة الإلحاد ودحض شبهاتها، والتذكير بأحوال الآخرة وأشراط الساعة، ونحو ذلك مما يدعو إلى الاستقامة.

والتوصل إلى ذلك بالأسلوب القصصي لا حرج فيه، حتى ولو كانت القصة غير واقعية، طالما كانت خالية من المحاذير الشرعية. وراجع في ذلك الفتويين: 13278، 139334.
هذا من حيث الجملة، وأما بخصوص السؤال عن تعلق القصة بخروج شخص من يأجوج ومأجوج: فلم نطلع فيه على كلام لأهل العلم. والذي يظهر لنا: أن الكلام عن الغيبيات والأمور المستقبلة التي جاء الخبر عنها في نصوص الشرع، لا يجوز تعديها أو مخالفتها، ولو من باب التجوُّز القصصي ومراعاة حبك الرواية! وراجع للفائدة الفتويين: 57796، 95585.
والأحاديث النبوية ظاهرة في عدم خروج أي فرد من يأجوج ومأجوج حتى بلوغ موعدهم. ومن جملة هذه الأحاديث حديث أبي هريرة الذي ذكر السائل رواية الترمذي له، فظاهره أنهم لن يخرقوه إلا إذا جاء الوقت المعلوم، وقد جاء في إحدى رواياته: "إن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا... الحديث". رواه أحمد، وابن ماجه، وصححه الألباني. وهذا واضح في أنهم لم يروا شعاع الشمس، فضلًا عن نقب يخرج منهم أحدهم!
وظاهر القرآن يؤيد هذا، ويدل على أن يأجوج ومأجوج لن يقدروا على نقب السد، فإذا جاء موعد خروجهم سوَّاه الله بالأرض، كما قال تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا. قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف: 97، 98] قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرًا عن يأجوج ومأجوج أنهم ما قدروا على أن يصعدوا فوق هذا السد، ولا قدروا على نقبه من أسفله. ولما كان الظهور عليه أسهل من نقبه قابل كلا بما يناسبه فقال: {فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا} وهذا دليل على أنهم لم يقدروا على نقبه، ولا على شيء منه. فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد ـ وذكر الحديث الذي نقله السائل ـ ففي رفعه نكارة؛ لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه، لإحكام بنائه وصلابته وشدته. ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار ... وهذا متجه، ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب. فإنه كثيرًا ما كان يجالسه ويحدثه، فحدث به أبو هريرة، فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع، فرفعه. اهـ.
وقد فصل في ذلك أكثر في (البداية والنهاية)، فراجعه إن شئت. والمقصود هو بيان الخطأ في قول السائل: (مع اعتبار أن المقصود بالخرق في الحديث هو الخرق الذي يسمح لهم بالخروج الميسور، وليس بمرور فرد واحد مع المشقة)!

ولذلك فإننا ننصح السائل بالبعد في روايته عن عنصر خروج أحد من يأجوج ومأجوج، والبحث عن بديل لا يتعارض مع أدلة الشرع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني