الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دعوى تساوي الناس في الرزق تخالف الشرع والواقع

السؤال

هل الناس متساوون في الرزق كما نسمع من بعض المشايخ؟ أي أن الرزق لو قسم ما بين مال وصحة وولد وراحة بال إلى آخره فإن فلانًا يأخذ مثلًا نسبة من المال ونسبة من الصحة وهكذا، ولكن إجمالي رزقه في مجموعه يتساوى مع باقي الناس، أخذ مثله لكن بنسب مختلفة من أصناف الأرزاق المختلفة، وجزاكم الله عنا كل خير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن القول بأن الناس متساوون في الرزق قول في غاية البطلان، فهو مخالف للنصوص الشرعية، فضلًا عن مخالفته للواقع المشاهد.

فقد أخبر سبحانه في كتابه عن تفضيله بعض العباد على بعض في الرزق، فقال سبحانه: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ {النحل:71}. وأمر سبحانه بالتفكر والاعتبار من تفضيله بعض الخلق على بعض في الرزق، فقال تعالى: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا {الإسراء:21}. قال ابن كثير: ثم قال تعالى: {انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض} في الدنيا، فمنهم الغني والفقير وبين ذلك، والحسن والقبيح وبين ذلك، ومن يموت صغيرًا، ومن يعمر حتى يبقى شيخًا كبيرًا، وبين ذلك {وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا} أي: ولتفاوتهم في الدار الآخرة أكبر من الدنيا؛ فإن منهم من يكون في الدركات في جهنم وسلاسلها وأغلالها، ومنهم من يكون في الدرجات العلى ونعيمها وسرورها، ثم أهل الدركات يتفاوتون فيما هم فيه، كما أن أهل الدرجات يتفاوتون، فإن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض. اهـ.

وذكر سبحانه أنه رفع بعض العباد على بعض ابتلاء لهم، فقال: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام:165}. قال البغوي: خالف بين أحوالكم فجعل بعضكم فوق بعض في الخلق والرزق والمعاش والقوة والفضل، {ليبلوكم في ما آتاكم} ليختبركم فيما رزقكم، يعني: يبتلي الغني والفقير، والشريف والوضيع، والحر والعبد، ليظهر منكم ما يكون عليه من الثواب والعقاب. اهـ. وقال سبحانه: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ {الزخرف:32}.

وفي آيات عديدة من كتاب الله يخبر سبحانه ببسطه الرزق لبعض عباده، وقدره وتضييقه على آخرين، كما قال سبحانه: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {الروم:37}، وفي هذا نفي لتساوي الناس في الرزق.

فالحاصل: أن نفي التفاوت بين العباد في الرزق والزعم بأنهم متماثلون في أرزاقهم قول فاسد، مخالف للأدلة الشرعية، ومخالف لواقع الناس المشاهد الذي لا يخفى على أحد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني