الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تحقيق المقال في موضع دعاء الاستفتاح

السؤال

هل هناك دعاء بين الإقامة و تكبيرة الإحرام؟وهل أستطيع أن أدعو بما شئت؟وما هو رأيكم في قول الإمام مالك إن دعاء الاستفتاح يكون قبل تكبيرة الاحرام؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد صح الحديث بسنية الدعاء بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة، كما هو مبين في الفتوى رقم: 11671، ، وهو قول عامة أهل العلم، إلا أن المالكية ذهبوا في المشهور عندهم إلى كراهة الدعاء بعد التكبير وقبل القراءة. جاء في مختصر خليل: فصل في فرائض الصلاة وسننها ومندوباتها ومكروهاتها. وذكر من المكروهات الدعاء قبل القراءة، فقال: ...وكرها بفرض (البسملة والتعوذ) كدعاء قبل قراءة وبعد فاتحة... اهـقال في منح الجليل شرح مختصر خليل: وشبه في الكراهة فقال (الدعاء) عقب إحرام و(قبل قراءة) فيكره على المشهور للعمل وإن صح الحديث به، وعن مالك رضي الله عنه ندب قوله قبلها: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك... ابن حبيب يقوله بعد الإقامة وقبل الإحرام. اهـفدليل المالكية هو عمل أهل المدينة الذين أدركهم مالك لا يستفتحون، واستدلوا أيضًا بحديث أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين. متفق عليه. وكذلك حديث المسيء في صلاته وليس فيه استفتاح.وقد أجاب غير ا لمالكية على أدلة المالكية، ولم يستطع المالكية الرد على أدلتهم، فأما الدليل الأول هو عمل أهل المدينة، فنكتفي هنا بما قاله ابن رشد الحفيد وهو مالكي، قال: ... وبالجملة العمل لا يشك أنه قرينة إذا اقترنت بالشيء المنقول، إن وافقته أفادت به غلبة الظن، وإن خالفته أفادت به ضعف الظن، فأما هل تبلغ هذه القرينة مبلغًا ترد بها أخبار الآحاد الثابتة ففيه نظر، وعسى أنها تبلغ في بعض ولا تبلغ في بعضٍ لتفاصيل الأشياء في شدة عموم البلوى بها... اهـ.

ولا شك أن أحاديث الاستفتاح في الصلاة بلغت من الاستفاضة والاشتهار والعمل بها مبلغًا لا ترد بهذه الحجة التي يسميها ابن رشد بالقرينة. وأما استدلالهم بحديث أنس وكذلك حديث المسيء في صلاته فقد أجاب عليه النووي فقال: فرع في مذاهب العلماء في الاستفتاح وما يُستفتح به. أما الاستفتاح فقال باستحبابه جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، ولا يُعرف من خالف فيه إلا مالكٌ رحمه الله، فقال: لا يأتي بدعاء الاستفتاح ولا بشيء بين القراءة والتكبير أصلاً، بل يقول: الله أكبر، الحمد لله رب العالمين إلى آخر الفاتحة. واحتجَّ له بحديث (المسيء صلاته) وليس فيه استفتاح، وقد يُحتج له بحديث أبي هريرة السابق في فصل التكبير وهو قوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يفتتحون الصلاة بـالحمد لله رب العالمين. ودليلنا الأحاديث الصحيحة التي ذكرناها، ولا جواب له عن واحدٍ منها. والجواب عن حديث المسيء صلاته ما قدمناه في مسألة رفع اليد، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما علمه الفرائض فقط، وهذا ليس منها. والجواب عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه ما سبق في فصل التكبير أن المراد بفتح القراءة كما في رواية مسلم، ومعناه أنهم كانوا يقرأون الفاتحة قبل السورة، وليس المقصود أنه لا يأتي بدعاء الاستفتاح، وبينه حديث عائشة الذي ذكرناه هناك، وكيف كان فليس فيه تصريح بنفي دعاء الاستفتاح، ولو صرح بنفيه كانت الأحاديث الصحيحة المتظاهرة بإثباته مقدمةً؛ لأنها زيادة ثقات، ولأنها إثباتٌ وهو مقدم على النفي. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني