الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يحق للمسحور أن يقتل الشخص الذي سحره؟

السؤال

إذا ارتكب شخص ما جريمة السحر في حق شخص آخر، فهل للشخص المسحور أن يقتل الشخص الساحر؟ علمًا أن الساحر يصرّ على أذيته هو وأهله، وكلما شفي من سحره أعاد له السحر من جديد، وإن كان ذلك لا يجوز، فكيف يكفّ المسحور أذى الساحر عنه، علمًا أنه يعيش في بلد لا تطبق فيها الحدود، ولا يعترف بالسحر في قانون الدولة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنه لا يحق للمسحور أن يقتل الشخص الساحر لأمور:

منها: عدم التحقق من سحر الساحر، ومن إصابته للسائل، فكل من هذا وذاك أمر خفي، لا يمكن إهدار دم معصوم بتوهمه.

ومنها: أن المسحور لا يزال حيًّا.

ومنها: أن إقامة الحدود لا يطبقها إلا السلطان، أو نائبه، وكذلك القصاص، قال القرطبي في تفسيره: لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولوا الأمر، الذين فرض عليهم النهوض بالقصاص، وإقامة الحدود، وغير ذلك؛ لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعًا أن يجتمعوا على القصاص، فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص، وغيره من الحدود. هـ.

وقال الباجي في المنتقى شرح الموطأ: قد روى نافع عن ابن عمر أن جارية لحفصة سحرت حفصة، فوجدوا سحرها، فاعترفت على نفسها، فأمرت حفصة عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فقتلها، فبلغ ذلك عثمان ـ رضي الله عنه ـ فأنكره، فأتاه ابن عمر، فقال: إنها سحرتها، ووجدوا معها سحرها، فاعترفت على نفسها، فكان عثمان أنكر عليها ما فعلت دون السلطان، فالساحر وإن كان يجب قتله، فإنه لا يلي ذلك إلا السلطان، وفي الموازية عن العبد، أو المكاتب يسحر سيده، يقتل، ويلي ذلك السلطان، قال أصبغ: وليس لسيده، ولا لغيره قتله، ووجه ذلك أنه قتل بحق الله تعالى يجب على من يظهر الإسلام، فلا يلي ذلك إلا الإمام، أو حكمه، كقتل الزنديق. اهـ.

وقال علماء اللجنة الدائمة: إذا أتى الساحر في سحره بمكفِّر: قتل لردته حدًّا، وإن ثبت أنه قتل بسحره نفسًا معصومة: قتل قصاصًا، وإن لم يأت في سحره بمكفر، ولم يقتل نفسًا: ففي قتله بسحره خلاف، والصحيح: أنه يقتل حدًّا لردته، وهذا هو قول أبي حنيفة، ومالك، وأحمد ـ رحمهم الله ـ لكفره بسحره مطلقًا لدلالة آية: واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ـ على كفر الساحر مطلقًا، ولما ثبت في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة أنه قال: كتب عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، فقتلنا ثلاث سواحر ـ ولما صح عن حفصة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت ـ رواه مالك في الموطأ، ولما ثبت عن جندب أنه قال: حد الساحر ضربة بالسيف ـ رواه الترمذي، وقال: الصحيح أنه موقوف، وعلى هذا؛ فحكم الساحر المسؤول عنه في الاستفتاء أنه يقتل على الصحيح من أقوال العلماء، والذي يتولى إثبات السحر، وتلك العقوبة هو الحاكم المتولي شؤون المسلمين؛ درءًا للمفسدة، وسدًّا لباب الفوضى. انتهى.

فننصح المسحور بالمواظبة على التعوذ، والذكر، والتحصينات الربانية، فإنه سيحصل له بها الحفظ من شر السحرة، وغيرهم، ففي حديث النسائي: قل هو الله والمعوذتين حين تمسي، وحين تصبح، تكفيك من كل شيء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني