الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تعارض بين الآية المذكورة ونزول جبريل عليه السلام في صورة بشر

السؤال

قال تعالى: قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا.
واجهتني حيرة بين هذه الآية، وكون جبريل تمثل في صورة بشر على الأقل ولو مرة؟
أريد التوضيح أثابكم الله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

ففي البداية لا بدّ من أن نُبيّن للسائل معنى الآية الكريمة التي سأل عنها.

يقول ابن عاشور في التحرير والتنوير: ومعنى قوله: لو كان في الأرض ملائكة يمشون إلخ: أن الله يرسل الرسول للقوم من نوعهم للتمكين من المخالطة؛ لأن اتحاد النوع هو قوام تيسير المعاشرة، قال تعالى: ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا [الأنعام: 9]، أي: في صورة رجل؛ ليمكن التخاطب بينه وبين الناس. أي لو كان في الأرض ملائكة قاطنون على الأرض، غير نازلين برسالة للرسل، لنزلنا عليهم ملكا.
ولما كان المشي والاطمئنان في الأرض من صفة الإنسان، آل المعنى إلى: لو كنتم ملائكة لنزلنا عليكم من السماء ملكا، فلما كنتم بشرا أرسلنا إليكم بشرا مثلكم. ومجيء الهدى هو دعوة الرسل إلى الهدى. انتهى.

فلا وجه للحيرة التي ذكرها السائل بين معنى الآية المذكورة, وبين نزول جبريل في صورة بشر؛ لأن البشر لا يتحمّلون رؤية الملك على صورته الحقيقية.

يقول القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا) أي: لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته إلا بعد التجسم بالأجسام الكثيفة؛ لأن كل جنس يأنس بجنسه وينفر من غير جنسه، فلو جعل الله تعالى الرسول إلى البشر ملكا لنفروا من مقاربته، ولما أنسوا به، ولداخلهم من الرعب من كلامه، والاتقاء له ما يكفهم عن كلامه، ويمنعهم عن سؤاله، فلا تعم المصلحة، ولو نقله عن صورة الملائكة إلى مثل صورتهم ليأنسوا به وليسكنوا إليه لقالوا: لست ملكا، وإنما أنت بشر فلا نؤمن بك، وعادوا إلى مثل حالهم. وكانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة البشر، فأتوا إبراهيم ولوطا في صورة الآدميين، وأتى جبريل النبي عليه الصلاة والسلام في صورة دحية الكلبي. أي لو أنزل ملك لرأوه في صورة رجل، كما جرت عادة الأنبياء، ولو نزل على عادته لم يروه، فإذا جعلناه رجلا التبس عليهم فكانوا يقولون: هذا ساحر مثلك. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني