الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاج الخواطر والوساوس المستقرة والعارضة

السؤال

تحدث معي أشياء غريبة، منذ فترة؛ فأصبحت أشك في كثير من الأشياء، لدرجة أني شككت مرة في وجود المقعد الذي أجلس عليه.
وأحيانا أشعر أني شككت في وجود الله، ولا أكون متأكدا أهذا شك أم وسوسة؟
والأمر يحدث معي في اليوم أكثر من مرة تقريبا، فيما يتعلق بوجود الله، مع أني أملك الأدلة على وجوده، وأذكر نفسي بها. ودائما بعد أن يراودني هذا الشعور، أكون موقنا بوجود الله.
وفي الآونة الأخيرة بدأت أميل إلى أنه شك. هل يكون الشك في حالتي هذه كفرا؟ وكيف أعالجه؟
الرجاء الإجابة بسرعة؛ فالأمر مستعجل.
وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن المسلم لا يؤاخذ بالخطرات والوساوس في ذات الله جل وعلا، بل كراهة المسلم لوساوس الكفر، ونفور قلبه منها مئنة إيمان، كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.

قال النووي في شرح مسلم: معناه: استعظامكم الكلام به، هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلاً عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً، وانتفت عنه الريبة والشكوك. اهـ.

وينبغي للمسلم إذا وجد شيئا من تلك الوساوس أن يعرض عنها، وأن يتشاغل عنها بغيرها، وأن يدفعها بالاستعاذة بالله عز وجل، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه؛ فليستعذ بالله، ولينته. أخرجه البخاري ومسلم.
ومن سبل دفع الوسوسة قول: آمنت بالله، كما جاء في الحديث: لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا، خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا، فليقل: آمنت بالله. أخرجه مسلم.
ومن ذلك ما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- لما سأله رجل عن الوسوسة في الإيمان فقال له: إذا وجدت في نفسك شيئا؛ فقل: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {الحديد:3}. أخرجه أبو داود.

جاء فتح الباري لابن حجر: قوله: من خلق ربك، فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته: أي عن الاسترسال معه في ذلك، بل يلجأ إلى الله في دفعه، ويعلم أنه يريد إفساد دينه وعقله بهذه الوسوسة، فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها.

ثم قال: والسؤال عن ذلك لما كان واهيا لم يستحق جوابا، أو الكف عن ذلك، نظير الأمر بالكف عن الخوض في الصفات والذات.

قال المازري: الخواطر على قسمين: فالتي لا تستقر ولا يجلبها شبهة، هي التي تندفع بالإعراض عنها. وعلى هذا ينزل الحديث. وعلى مثلها ينطلق اسم وسوسة. وأما الخواطر المستقرة الناشئة عن الشبهة، فهي التي لا تندفع إلا بالنظر والاستدلال. وقال الطيبي: إنما أمر بالاستعاذة والاشتغال بأمر آخر، ولم يأمر بالتأمل والاحتجاج؛ لأن العلم باستغناء الله جل وعلا عن الموجد، أمر ضروري لا يقبل المناظرة، ولأن الاسترسال في الفكر في ذلك لا يزيد المرء إلا حيرة، ومن هذا حاله فلا علاج له إلا الملجأ إلى الله تعالى والاعتصام به. اهـ.

وراجع الفتوى ذات الرقم: 12300، والفتوى ذات الرقم: 51601.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني