الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المرجع في تحديد مهر المرأة

السؤال

تم عقد قراني منذ أربعة شهور على رجل محافظ وتقي جدا. طلبت منه والدتي مهرا كبيرا دون استشارتي، وصممت على أنني لست منوطة البتة بتحديد طلباتي، ولا أعلم من أين أتت بهذا في الحقيقة، ورغم أنه تفاجأ بالمبلغ لم يعترض، أنا أؤمن بالتيسير، وحاليا أرى أن تسليمي هذا المبلغ الآن سيعيقنا، وسيؤخر اجتماعنا، ونحن لسنا في مقتبل العمر، فكلانا ثلاثيني، تهددني أمي بالغضب الأبدي، وستوصي بمنعي من حضور عزائها إن صممت على تأجيل استلامي المهر إلى ما بعد الزفاف.
للعلم الرجل ليس معدَما بل مدخوله ممتاز، ويستطيع تحمل المسئولية، ولكن صار عليه الآن تدبير السكن، ومصاريف الزفاف، وهذا كثير، وأنا لا أريده أن يستدين، وهو لم يطلب مني ذلك، بل أنا اقترحته، ويشهد الله أنه لم يقصر يوما منذ عقد قراننا، فبالرغم من أني لست في بيته صمم على تحمل كل متطلباتي المادية. هل يغضب الله لغضبها؛ لأنني أريد التيسير على زوجي؟ هذا المهر الضخم طُلِب رغمًا عني، والآن يعيقني عن الانتقال لبيتي، وتكوين أسرتي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالمهر حقّ خالص للمرأة، فرضه الله لها على الزوج، وليس لأحد من أهلها أن يسقطه، والمطالبة به حق للمرأة، ويجوز لها أن تسقطه كله أو بعضه إذا طابت بذلك نفسها، قال تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا {النساء:4}.

علما بأن تحديد المهر إنما يرجع فيه إلى الولي، أو إلى المرأة إن لم يحصل بينهما اختلاف، فإن اختلفا في تحديده فإن كانت المرأة بكرا، فالقول للولي إلا أن ترضى بصداق مثلها، فلا اعتراض للولي، وإن كانت ثيبا فالقول قولها مطلقا. كما سبق بيانه وتفصيله في الفتوى: 108684.

وليس من حق الأم أن تقول ذلك الكلام الذي ذكرتِه في سؤالك، وليس من حقها تعطيل الزواج، وتهديدك بالغضب الدائم منك، والوصية بمنعك من حضور عزائها إن أجلت تسلم المهر إلى ما بعد زفافك.

ومن حقك التفاوض مع أهلك ليخففوا المهر حتى يتمكن زوجك من توفيره لك، ولا يتأخر زفافك.

وأعلمي أمك أن من أسباب بركة الزواج يسر أمره، وقلة مهره، وتبسيط أموره كلها.. هكذا كان هدي الصحابة والسلف الصالح.

فقد زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه، وكان المهر أن يعلم الرجل امرأته سورًا من القرآن الكريم، وقال لبعض أصحابه: التمس ولو خاتماً من حديد. والحديث في الصحيحين.

وقد خطب أبو طلحة -رضي الله عنه- أم سليم وهي مسلمة، وأبو طلحة إذ ذاك لا يزال مشركاً، فجعلت مهرها أن يسلم، -رضي الله عنهم- أجمعين. قال أحد التابعين: فما سمعت بامرأة أكرم مهرًا من أم سليم. والحديث رواه النسائي عن أنس -رضي الله عنه-.

فساعدي زوجك قدر استطاعتك في كل ما يخفف التكاليف، ويقلل من تعقيد هذا الأمر، من المغالاة في المهر والتكاليف الباهظة التي لا يطيقها زوجك، وقد تؤدي به إلى حمل الديون التي ستثقل كاهله في المستقبل.

ولا بد من التنبيه إلى أن غضب الأم على ابنها أو ابنتها بغير حق لا يعتبر، ولا يؤثر، كما سبق بيانه في الفتوى: 365158.

والوصية بمنعك من العزاء لا تجوز، ولكن ينبغي أن يكون نقاشك وطلبك بأدب وبطريقة ودية حرصا على دوام الود والمحبة بينك وبين أمك وبقية أهلك. فاحرصي على برها مهما حصل منها، ويمكنك توسيط أحد من أهلك ممن له تأثير على والدتك ليقنعها بعدم المغالاة في المهر والطلبات.

وراجعي آثار غلاء المهور في الفتوى: 77465.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني