الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في تعيين علة الربا في الأصناف المذكورة في الحديث

السؤال

إذا كانت علة الربا في الأصناف الأربعة هي الكيل أو الوزن مع الطعم، فكيف تضبط هذه العلة في ظل المتغيرات التي طرأت على الكيل والوزن. فما كان مكيلا أصبح موزونا، والعكس صحيح، وبعض ما يوزن يباع عدا، أو جزافا، وهكذا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف الأئمة الأربعة في تعيين علة الربا في الأصناف المنصوص عليها في الحديث، على أربعة أقوال، ومنها ما ذكره السائل (العلة هي الطعم مع الكيل أو الوزن) وهو قول الشافعي في القديم، ورواية عن أحمد، رجحها ابن تيمية.

ومن اعتبر العلة هي الكيل أو الوزن – سواء باجتماع أحدهما مع الطعم، أو بانفرادها، كما هو مذهب الحنفية والمشهور من مذهب أحمد – اختلفوا في بيع المكيل وزنا، والموزون كيلا، على أقوال أيضا. فمنهم من اعتبر النص الشرعي في تعيين الكيل أو الوزن، ومنهم من اعتبر عرف أهل الحجاز خصوصا، ومنهم من اعتبر العرف عموما في كل بلد، ومنهم من فرق بين ما أصله الوزن وما أصله الكيل. وهذه هي الأقوال المشهورة في المسألة (باختصار من كتاب: المعاملات المالية أصالة ومعاصرة. للدبيان):
- القول الأول: أن ما نص على أنه مكيل فلا يجوز أن يباع وزنًا، وكذا ما نص على أنه موزون، فلا يجوز أن يباع كيلًا. وهذا مذهب الأئمة الأربعة. قال في الإفصاح: "اتفقوا على أن المنصوص عليها: وهي البر والشعير، والتمر، والملح مكيلة أبدًا. ولا يجوز بيع بعضها ببعض إلا كيلًا، والموزونات المنصوص عليها موزونة أبدًا".
- القول الثاني: ذهب أبو يوسف من الحنفية أن المعتبر هو العرف مطلقًا، في المنصوص عليه وفي غيره؛ وأن ذلك يتبدل بتبدل العرف، كما في سائر الأموال الربوية الأخرى التي لم يرد نص خاص بشأن مقيسها.
- القول الثالث: أن ما أصله الوزن فلا يجوز بيعه كيلًا، وأما ما أصله الكيل فيجوز بيعه وزنًا. اختاره بعض الشافعية.

وأما ما لم ينص على معياره:
فقيل: يحمل على عادات الناس، وهذا مذهب أبي حنفية ومحمد بن الحسن، وهو مذهب المالكية.
وقيل: المرجع في ذلك إلى العرف بالحجاز في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.

وأما ما لا عرف له في الحجاز، فإن كان مما لا يمكن كيله بحيث يتجافى في المكيال عند كيله، بحيث يرى ممتلئًا وبطنه غير ممتلئ، فالمعتبر فيه بالوزن. وإن كان مما يمكن كيله:

فقيل: يعتبر عرفه في موضعه، وهذا مذهب الحنفية والمالكية، وقول في مذهب الشافعية، وأحد الوجهين في مذهب الحنابلة.
وقيل: يرد إلى أقرب الأشياء شبهًا به في الحجاز، وهو مذهب الشافعية وأحد الوجهين في مذهب الحنابلة.
وهذا الخلاف الكبير فيما يباع كيلا أو وزنا، هو أحد أوجه ترجيح الشافعية ومن وافقهم، لإبطال اعتبار الكيل أو الوزن جزءا من علة الربا أصلا، واقتصارهم على الطعم وحده كعلة للربا، قال الماوردي في الحاوي الكبير: وأما الدليل على إبطال الكيل أن يكون علة، فمن خمسة أوجه: .... والوجه الثاني: أن الكيل قد يختلف في المكيلان على اختلاف البلدان وتقلب الأزمان، فالتمر يكال بالحجاز ويوزن بالبصرة والعراق، والبر يكال تارة في زمان ويوزن أخرى، والفواكه قد تعد في زمان وتوزن في زمان، فلم يجز أن يكون الكيل علة لأنها تقتضي أن يكون الجنس الواحد فيه الربا في بعض البلدان ولا ربا فيه في بعضها، وفي بعض الأزمان ولا ربا في غيرها، وعلة الحكم يجب أن تكون لازمة في البلدان وسائر الأزمان وهذا موجود في الأكل. اهـ.
وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 234115.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني