الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ذكر المفتي الأقوال للعامي دون ترجيح

السؤال

أحسن الله إليكم.
يقرّر كثير من الأصوليين -كالشاطبي- أن على المفتي ألا يخيّر السائل بين الأقوال، بل يذكر له قولًا واحدًا يكون هو الراجح في نظره، بينما أرى في تطبيقات فتاوى العلماء -قديمًا وحديثًا- أنهم يخيّرون السائل بين القولين والثلاثة، إذا كان الخلاف قويًّا، فكيف نجمع بين ذلك؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالفتوى ليست على نحو واحد، وأحوال المستفتيين ليست واحدة، والمسائل ذاتها ليست على مرتبة واحدة من حيث ظهور الأدلة وقوة الخلاف؛ ولذلك نقول: إن المفتي وإن كان الأصل أن يبين للمستفتي الراجح عنده، إلا أن ذلك ليس مطردًا، ففي بعض الأحوال تكون إحالته على قول آخر معتبر من أقوال أهل العلم هو الأليق بالحال، والأوفق لمقاصد الشرع، ومثال ذلك ما ذكره ابن قدامة في روضة الناظر من أن الحسين بن بشار المخرمي سأل الإمام أحمد عن مسألة في الطلاق، فقال: "إن فعل حنث"، فقال له: يا أبا عبد الله، إن أفتاني إنسان -يعني: لا يحنث-، فقال: تعرف حلقة المدنيين؟ فقال: إن أفتوني به حلّ؟ قال: "نعم". وراجع في ذلك الفتوى: 16387.

وعلى أية حال؛ فقد اختلف أهل العلم في العامي هل يلزمه الاجتهاد في أعيان المفتين، فيقلّد أوثقهم عنده، أم له أن يتخير ويقلّد من شاء منهم، وراجع في ذلك الفتوى: 184283.

والشاطبي -رحمه الله- قد نصر في كتاب الموافقات القول بأن المقلّد ليس له أن يتخير في الخلاف.

وعلى القول الثاني بأن العامي له أن يختار ويقلّد من شاء دون ترجيح، فللمفتي أن يذكر له الأقوال دون ترجيح، بل يُخيِّره؛ ولذلك قال البهوتي في شرح منتهى الإرادات: (وله) أي: المفتي (تخيير من استفتاه بين قوله وقول مخالفه) بما ذكره بقوله: (ويتخير) مستفت (وإن لم يخيره) مفت؛ لأن في إلزامه بالأخذ بقول معين، ترجيح بلا مرجح. اهـ. وعلل ذلك في كشاف القناع بقوله: لأن المستفتي يجوز له أن يتخير، وإن لم يخيره. اهـ.

فتبين بذلك أن هذا المسلك لا يخرج عن أقوال أهل العلم.

ومع ذلك؛ فالراجح عندنا أن الأصل في الفتوى أن يختار المفتي ما شهد له الكتاب، والسنة، والإجماع، وكان جاريًا على قياس أهل العلم.

وإن كان ثمة تعارض، فإنه لا يفتي إلا بالراجح في المسألة، وهو الأقوى دليلًا، والأسلم تعليلًا، وليس المفتي بالخيار يأخذ ما يشاء ويترك ما يشاء.

وكذلك على العامي: بذل وسعه، والعمل بما يقدر عليه من الترجيح بين المفتين، كأن يرجح أحدهما لغزارة علمه، أو لثقته وأمانته ودينه، كما قال الإمام النووي: ليس للمفتي والعامل في مسألة القولين، أن يعمل بما شاء منهما بغير نظر، بل عليه العمل بأرجحهما. اهـ.

وراجع في ذلك الفتاوى: 5592، 319819، 123527، 50675.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني