الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأيام التي خلقت فيها السماوات والأرض غير هذه الأيام

السؤال

الشبهة هي: أن مدة خلق الأرض في القرآن، وتقدير أقواتها وكل شيء، كان في أربعة أيام، وأما خلق السماوات، وخلق الشمس والنجوم، وكل ما في السماء، كان في يومين، فهل هذا صحيح علميًّا؟ ألم يستغرق تكوّن السماء والنجوم أكثر بمليارات السنين من تكوّن الأرض؟ ولا أقصد عمر السماء، بل مدة خلقها، وتكوّن شمسنا ونجومنا، أكثر بكثير من مدة تكوّن الأرض؛ لأنه يمكننا القول: إن انتهاء خلق السماء كان حين تكوّنت شمسنا والنجوم التي نراها؛ لأن السماء بوصف آيات سورة النازعات تتضمن الشمس والنجوم: "أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها، رفع سمكها فسواها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها"، أي أن الانتهاء من خلق السماء كان حينما خلقت الشمس، ومدة ذلك أطول بكثير من مدة خلق الأرض، فكيف نوّفق بين ذلك؟
ربما تقولون: إن عمر الأرض والكون غير ثابت علميًّا، وكلها نظريات، وليست حقائق ثابتة، ويمكنها التبدل، وأتفق معكم في هذه النقطة أن عمر الأرض والكون هو عمر تقريبي، ومن الممكن أن يتم تعديله، ولكن الثابت واليقيني يبقى أن عمر السماء أطول من عمر الأرض بشكل مؤكّد، حسب الأبحاث والدراسات، وأن مدة تكوّن السماء وما فيها من أجرام ونجوم ومجرات هائلة، سيأخذ بشكل لا شك فيه مدة أطول من خلق الأرض وما عليها، فكيف نوفّق بين هذه الأمور؟ وهل يمكن القول: إن فترة اليوم في القرآن غير متساوية، أي أن تلك الأيام عبارة عن مراحل زمنية غير متساوية؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن الخطأ البيِّن أن نحاكم النصوص الشرعية على تصوراتنا، وحدود علمنا، ويتأكد ذلك في شأن الغيب الذي لم نشهده، ولا نعلم حقيقته وتفاصيله، وقد قال الله تعالى: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ [الكهف:51]، ومعناه: ما أشهدتهم خلقها، فيحيطون علمًا بغيبها؛ لاختصاص الله بعلم الغيب دون خلقه. كما ذكره الماوردي احتمالًا في تفسيره النكت والعيون.

ثم إن مسألة الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض، وترتيب الخلق فيها، كل ذلك محل خلاف عريض بين أهل العلم قديمًا وحديثًا، ومن المعروف أن أيام الدنيا تقدّر بحركة الأرض والشمس، ولم تكن هذه الفلاك قد خلقت بعد؛ ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: لا ريب أن تلك الأيام التي خلقت فيها السماوات والأرض غير هذه الأيام، وغير الزمان الذي هو مقدار حركة هذه الأفلاك. وتلك الأيام مقدرة بحركة أجسام موجودة قبل خلق السماوات والأرض. اهـ.

وراجعي في تفصيل ذلك الفتاوى: 15819، 22344، 356428، 128648.

وأما مسألة خلق السماوات رغم كبرها في يومين، وخلق الأرض في أربعة أيام، فقد سبق أن تعرضنا لها في الفتوى: 410041.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني